responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 57
فَمَعْنَى وَحَّدْتُ اللَّهَ نَسَبْتُ إِلَيْهِ الْوَحْدَانِيَّةَ، لَا جَعَلْتُهُ وَاحِدًا، فَإِنَّ وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ - تَعَالَى - ذَاتِيَّةٌ لَهُ لَيْسَتْ بِجَعْلِ جَاعِلٍ. قَالَ فِي الْقَامُوسِ: التَّوْحِيدُ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. انْتَهَى. أَيِ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - وَاحِدٌ فِي أُلُوهِيَّتِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ.
وَالتَّصْدِيقُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ أَنْ يَنْسُبَهُ إِلَى الصِّدْقِ وَمُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ مَعًا، لِأَنَّا نَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ هُنَا الشَّرْعِيَّ، وَهُوَ إِفْرَادُ الْمَعْبُودِ بِالْعِبَادَةِ مَعَ اعْتِقَادِ وَحْدَتِهِ ذَاتًا وَصِفَاتٍ وَأَفْعَالًا، فَلَا تَقْبَلُ ذَاتُهُ الِانْقِسَامَ بِوَجْهٍ، وَلَا تُشْبِهُ صِفَاتُهُ الصِّفَاتِ وَلَا تَنْفَكُّ عَنِ الذَّاتِ، وَلَا يَدْخُلُ أَفْعَالَهُ الِاشْتِرَاكُ، فَهُوَ الْخَالِقُ دُونَ مَنْ سِوَاهُ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعُلُومُ كَالْفَرْعِ لِعِلْمِ التَّوْحِيدِ ; لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْعِبَادَاتِ وَأَفْضَلُ الطَّاعَاتِ، وَشَرْطٌ فِي صِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ وَطَاعَةٍ، وَشَرْطٌ لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ، إِذْ هُوَ مَعْرِفَةُ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ، فَمَنْ لَمْ يُوَحِّدِ الْمَعْبُودَ، فَكُلُّ عَمَلِهِ مَرْدُودٌ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْعِلْمُ بِالتَّوْحِيدِ ; لِأَنَّهُ أَشْهَرُ مَسَائِلِهِ وَأَشْرَفُهَا، وَيُسَمَّى أَيْضًا بِعِلْمِ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ مَبَاحِثَهُ كَانَتْ مُعَنْوَنَةً فِي كُتُبِ الْقُدَمَاءِ بِقَوْلِهِمْ: الْكَلَامُ فِي كَذَا، أَوْ لِأَنَّ أَشْهَرَ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ فِيهِ مَسْأَلَةُ كَلَامِ اللَّهِ - تَعَالَى - حَتَّى جَرَى مَا جَرَى لِأَئِمَّةِ الدِّينِ بِنَزْغَةِ الشَّيْطَانِ لِلْمُخَالِفِينَ، وَلِكَوْنِ عِلْمِ التَّوْحِيدِ أَصْلَ الْعُلُومِ وَأُسَّ النَّجَاةِ، وَسُلَّمَ الْمَعْرِفَةِ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، قُلْنَا: (لِأَنَّهُ) أَيْ عِلْمَ التَّوْحِيدِ (الْعِلْمُ) الْعَظِيمُ الْقَدْرِ الْفَخِيمُ الْأَمْرِ " الَّذِي لَا يَنْبَغِي " أَيْ لَا يُطْلَبُ وَلَا يَحْسُنُ وَلَا يَجْمُلُ (لِـ) شَخْصٍ بَالِغٍ (عَاقِلٍ) مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ (لِفَهْمِهِ) أَيْ لِإِدْرَاكِ صُوَرِ مَعْرِفَتِهِ فِي ذِهْنِهِ، وَاقْتِدَارِهِ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْعِلْمِ بِهِ (لَمْ يَبْتَغِ) أَيْ لَمْ يَطْلُبْهُ، وَيَدْأَبْ فِي تَحْصِيلِهِ لِيَكُونَ فِي إِيمَانِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَفِي عِبَادَتِهِ عَلَى يَقِينٍ وَمَعْرِفَةٍ مُنِيرَةٍ، وَيُبَايِنَ أَهْلَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ وَالْحَيْرَةِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُشَمِّرَ عَنْ سَاقِ الْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَيَدْأَبَ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ لِيَنَالَ الْمُرَادَ، وَيُبَايِنَ أَهْلَ الْفُرْقَةِ وَالتَّفْنِيدِ، وَيَخْلَعَ مِنْ عُنُقِهِ رِبْقَةَ التَّقْلِيدِ.

[الواجب والمحال والجائز]
((فَيَعْلَمُ الْوَاجِبَ وَالْمُحَالَا ... كَجَائِزٍ فِي حَقِّهِ تَعَالَى))

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 57
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست