responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 48
(أَحَدِهَا) : أَنَّ الدُّعَاءَ يَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالصَّلَاةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْخَيْرِ.
(الثَّانِي) : أَنَّ دَعَوْتُ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ، وَصَلَّيْتُ لَا يَتَعَدَّى إِلَّا بِعَلَى، وَدَعَا الْمُعَدَّى بِعَلَى لَيْسَ بِمَعْنَى صَلَّى، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ.
(الثَّالِثُ) : أَنَّ فِعْلَ الدُّعَاءِ يَقْتَضِي مَدْعُوًّا وَمَدْعُوًّا لَهُ، تَقُولُ: دَعَوْتُ اللَّهَ لَكَ بِخَيْرٍ. وَفِعْلُ الصَّلَاةِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَا تَقُولُ: صَلَّيْتُ اللَّهَ عَلَيْكَ وَلَا لَكَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَاهُ، فَأَيُّ تَبَايُنٍ أَظْهَرُ مِنْ هَذَا؟ . قَالَ: وَلَكِنَّ التَّقْلِيدَ يُعْمِي عَنْ إِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ، فَإِيَّاكَ وَالْإِخْلَادَ إِلَى أَرْضِهِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَرَأَيْتُ لِأَبِي الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيِّ كَلَامًا حَسَنًا فِي اشْتِقَاقِ الصَّلَاةِ، فَذَكَرَ مَا مُلَخَّصُهُ: إِنَّ مَعْنَى اللَّفْظَةِ حَيْثُ تَصَرَّفَتْ تَرْجِعُ إِلَى الْحُنُوِّ وَالْعَطْفِ، إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ مَحْسُوسًا وَمَعْقُولًا، فَالْمَحْسُوسُ مِنْهُ صِفَاتُ الْأَجْسَامِ، وَالْمَعْقُولُ مِنْهُ صِفَةُ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ مَوْجُودٌ فِي الصِّفَاتِ، وَالْكَبِيرُ يَكُونُ صِفَةً لِلْمَحْسُوسَاتِ وَصِفَةً لِلْمَعْقُولَاتِ، وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الرَّبِّ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْأَجْسَامِ وَمُضَاهَاةِ الْأَنَامِ، فَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ - تَعَالَى - مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مَعْقُولَةٌ غَيْرُ مَحْسُوسَةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالصَّلَاةُ كَمَا قُلْنَا حُنُوٌّ وَعَطْفٌ مِنْ قَوْلِكَ: صَلَّيْتُ، أَيْ حَنَيْتَ صِلَاكَ وَعَطَفْتَهُ، فَأَخْلَقُ بِأَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ كَمَا سَمَّى عَطْفًا وَحُنُوًّا، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اعْطِفْ عَلَيْنَا، أَيِ ارْحَمْنَا. قَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا زِلْتُ فِي لِينِي لَهُ وَتَعَطُّفِي ... عَلَيْهِ كَمَا تَحْنُو عَلَى الْوَلَدِ الْأُمُّ
وَأَمَّا رَحْمَةُ الْعِبَادِ فَرِقَّةٌ فِي الْقَلْبِ، إِذَا وَجَدَهَا الرَّاحِمُ مِنْ نَفْسِهِ انْعَطَفَ عَلَى الْمَرْحُومِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِلْعِبَادِ جُودٌ وَفَضْلٌ، فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ، فَقَدْ أَفْضَلَ وَأَنْعَمَ، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ إِذَا كَانَتْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنَ الْعَبْدِ فَهِيَ مُتَعَدِّيَةٌ بِعَلَى مَخْصُوصَةٌ بِالْخَيْرِ، لَا تَخْرُجُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَرَجَعَتْ كُلُّهَا إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، إِلَّا أَنَّهَا فِي مَعْنَى الدُّعَاءِ وَالرَّحْمَةِ، وَالصَّلَاةُ مَعْقُولَةٌ أَيِ انْحِنَاءٌ مَعْقُولٌ غَيْرُ مَحْسُوسٍ، ثَمَرَتُهُ مِنَ الْعَبْدِ الدُّعَاءُ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ، وَثَمَرَتُهُ مِنَ اللَّهِ الْإِحْسَانُ وَالْإِنْعَامُ، فَلَمْ تَخْتَلِفِ الصَّلَاةُ فِي مَعْنَاهَا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ ثَمَرَتُهَا الصَّادِرَةُ عَنْهَا. وَالصَّلَاةُ الَّتِي هِيَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ انْحِنَاءٌ مَحْسُوسٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمَعْنَى فِيهَا إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْقُولِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافٍ فِي الْحَقِيقَةِ،

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 48
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست