responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 432
الْحَقِيقَةُ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مِنْهُمْ مَنْ يُوجِبُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَرِّمُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجَوِّزُ الْأَمْرَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، فَالَّذِينَ يُحَرِّمُونَهُ هُمُ الْمُرْجِئَةُ والْجَهْمِيَّةُ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِمَّنْ يَجْعَلُ الْإِيمَانَ شَيْئًا وَاحِدًا يَعْلَمُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ كَالتَّصْدِيقِ بِالرَّبِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِي قَلْبِهِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي مُؤْمِنٌ كَمَا أَعْلَمُ أَنِّي تَكَلَّمْتُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَكَمَا أَعْلَمُ أَنِّي قَرَأْتُ الْفَاتِحَةَ وَكَمَا أَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنِّي أُبْغِضُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، فَقَوْلِي أَنَا مُؤْمِنٌ كَقَوْلِي أَنَا مُسْلِمٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الْحَاضِرَةِ الَّتِي أَنَا أَعْلَمُهَا وَأَقْطَعُ بِهَا، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَنَا قَرَأْتُ الْفَاتِحَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، كَذَلِكَ لَا يَقُولُ: أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لَكِنْ إِذَا كَانَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ فَعَلْتُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالُوا: فَمَنِ اسْتَثْنَى فِي إِيمَانِهِ فَهُوَ شَاكٌّ فِيهِ وَسَمَّوْهُمُ الشَّاكَّةَ، وَالَّذِينَ أَوْجَبُوا الِاسْتِثْنَاءَ لَهُمْ مَأْخَذَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَا مَاتَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا بِاعْتِبَارِ الْمُوَافَاةِ، وَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَيْهِ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ، قَالُوا: وَالْإِيمَانُ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ الْكُفْرُ فَيَمُوتُ صَاحِبُهُ كَافِرًا لَيْسَ بِإِيمَانٍ كَالصَّلَاةِ الَّتِي يُفْسِدُهَا صَاحِبُهَا قَبْلَ الْكَمَالِ، وَكَالصِّيَامِ الَّذِي يُفْطِرُ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، فَصَاحِبُ هَذَا هُوَ عِنْدَ اللَّهِ كَافِرٌ بِعِلْمِهِ بِمَا يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْكُفْرِ، وَهَذَا الْمَأْخَذُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْكِلَابِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يَنْصُرَ أَهْلَ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِمْ أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِيمَانَ لَا يَتَفَاضَلُ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَشُكُّ فِي الْمَوْجُودِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَشُكُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَبِهَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْ أَتْبَاعِ الْمَذَاهِبِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا يَحِبُّ فِي أَزَلِهِ مَنْ كَانَ كَافِرًا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ مُؤْمِنًا، مَا زَالُوا مَحْبُوبِينَ لِلَّهِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ عَبَدُوا الْأَصْنَامَ مُدَّةً مِنَ الدَّهْرِ، وَإِبْلِيسُ مَا زَالَ يُبْغِضُهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْفُرْ بَعْدُ، يَعْنِي مَا زَالَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُثِيبَ هَؤُلَاءِ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَيُعَاقِبَ إِبْلِيسَ بَعْدَ كُفْرِهِ، وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ فَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ كُلَّ مَا عَلِمَ أَنْ سَيَخْلُقُهُ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَا يَرْضَى عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ سَاخِطًا عَلَيْهِ فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ كَافِرًا لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 432
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست