responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 410
فَإِنْ قِيلَ إِذَا كَانَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، فَمَتَى ذَهَبَ بَعْضُ ذَلِكَ بَطَلَ الْإِيمَانُ فَيَلْزَمُ تَكْفِيرُ أَهْلِ الذُّنُوبِ كَمَا تَقُولُهُ الْخَوَارِجُ، أَوْ تَخْلِيدُهُمْ فِي النَّارِ وَسَلْبُهُمُ اسْمَ الْإِيمَانِ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَكُلُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ شَرٌّ مِنْ قَوْلِ الْمُرْجِئَةِ، فَإِنَّ مِنَ الْمُرْجِئَةِ جَمَاعَةً مِنَ الْعُبَّادِ وَالْعُلَمَاءِ الْمَذْكُورِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ بِخَيْرٍ، وَأَمَّا الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ فَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ مُطْبِقُونَ عَلَى ذَمِّهِمْ، فَالْجَوَابُ أَوَّلًا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي لَمْ يُوَافِقِ الْخَوَارِجَ وَالْمُعْتَزِلَةَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ الْقَوْلُ بِتَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ، فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَشْهُورَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ. وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ نَبِيَّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَشْفَعُ فِي مَنْ يَأْذَنُ اللَّهُ لَهُ بِالشَّفَاعَةِ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِهِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي ذِكْرِ الشَّفَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
وَمِنْ بِدَعِ الْخَوَارِجِ الْخَارِجَةِ تَكْفِيرُهُمْ لِلْمُسْلِمِ بِالذَّنْبِ، وَسَلْبُ الْمُعْتَزِلَةِ لَهُ اسْمَ الْإِيمَانِ، فَهُوَ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكُلُّ هَذِهِ بِدَعٌ قَبِيحَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلِأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ، وَالْحَقُّ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ نَاقِصُ الْإِيمَانِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِإِيمَانِهِ فَاسِقٌ بِكَبِيرَتِهِ، فَلَا يُعْطَى الِاسْمَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَا يُسْلَبُ مُطْلَقَ الِاسْمِ، وَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْقَاتِلَ لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَأَنَّهُ يَخْلُدُ فِي النَّارِ، فَغَلَطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشْفَعُ لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ، وَلَا قَالَ: إِنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ، وَلَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْقَاتِلَ لَا تَوْبَةَ لَهُ، وَالنِّزَاعُ فِي التَّوْبَةِ غَيْرُ النِّزَاعِ فِي التَّخْلِيدِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ مِنْ حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ أَنَّ الْإِيمَانَ إِذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ، فَمَمْنُوعٌ وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي تَفَرَّعَتْ مِنْهُ الْبِدَعُ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ مَتَى ذَهَبَ بَعْضُهُ ذَهَبَ كُلُّهُ، ثُمَّ قَالَتِ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ: الْإِيمَانُ هُوَ مَجْمُوعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ كَمَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، قَالُوا: فَإِذَا ذَهَبَ شَيْءٌ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ صَاحِبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ فَيَخْلُدُ فِي النَّارِ، وَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ عَلَى اخْتِلَافِ فِرَقِهِمْ

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 410
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست