responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 404
((إِيمَانُنَا)) مَعْشَرَ الْأَثَرِيَّةِ مِنْ أَهْلِ السَّلَفِ مَا يَأْتِي ذِكْرُهُ، وَهُوَ فِيمَا قِيلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِتَبَايُنِ مَدْلُولَيِ الْأَمْنِ وَالتَّصْدِيقِ، إِلَّا إِنْ لُوحِظَ مَعْنًى مَجَازِيٌّ، فَيُقَالُ آمَنَهُ إِذَا صَدَّقَهُ، أَيْ آمَنَهُ التَّكْذِيبُ، وَفِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف: 17] أَيْ بِمُصَدِّقٍ لَنَا، وَقَدِ اعْتَرَضَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، فَقَالُوا: بَلِ الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ الْإِقْرَارُ، وَعِنْدَ مُحَقِّقِي السَّلَفِ أَنَّ الْإِيمَانَ، وَإِنْ قُلْنَا هُوَ التَّصْدِيقُ إِلَّا أَنَّهُ تَصْدِيقٌ خَاصٌّ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ اتَّصَلَ اللَّفْظُ بِهَا، وَهَذَا لَيْسَ نَقْلًا لِلَّفْظِ عَنْ أَصْلِ اللُّغَةِ، وَلَا تَغْيِيرًا لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا بِإِيمَانٍ مُطْلَقٍ، بَلْ بِإِيمَانٍ خَاصٍّ وَصَفَهُ وَبَيَّنَهُ، وَهُوَ تَصْدِيقٌ تَامٌّ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ، مُسْتَلْزِمٌ لِمَا وَجَبَ مِنَ الْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَأَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَإِنَّ هَذِهِ لَوَازِمُ الْإِيمَانِ التَّامِّ، وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ ; وَلِهَذَا قَالَ: ((قَوْلٌ)) بِاللِّسَانِ فَمَنْ لَمْ يُقِرَّ وَيُصَدِّقْ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ سَلَفُ الْأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. ((وَقَصْدٌ)) أَيْ عَقْدٌ بِالْجَنَانِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ لَهَا بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ خِلَافًا، لِلْكَرَّامِيَّةِ الزَّاعِمِينَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ، وَإِذَا كَانَ مُصَدِّقًا بِقَلْبِهِ غَيْرَ نَاطِقٍ بِلِسَانِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ، خِلَافًا لِلْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْمُتَكَلِّمَةِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8] فَنَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ، وَهَذَا يَرُدُّ مَذْهَبَ الْكَرَّامِيَّةِ، فَإِنَّ الْمُنَافِقَ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَقَدْ ضَلَّ مَنْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَامَ بِقَلْبِهِ عِلْمٌ وَتَصْدِيقٌ وَهُوَ يَجْحَدُ الرَّسُولَ وَمَا جَاءَ بِهِ وَيُعَادِيهِ كَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، مِمَّنْ سَمَّاهُ اللَّهُ كَافِرًا، وَلَمْ يُسَمِّهِمْ مُؤْمِنِينَ قَطُّ وَلَا دَخَلُوا فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ، فَهُمْ كُفَّارٌ خِلَافًا لِلْجَهْمِيَّةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا كَانَ الْعِلْمُ فِي قُلُوبِهِمْ فَهُمْ مُؤْمِنُونَ كَامِلُو الْإِيمَانِ، حَتَّى قَالُوا: إِنَّ إِيمَانَهُمْ كَإِيمَانِ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَفِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ مِمَّا يَرُدُّ هَذَا مَا لَا يُحْصَى إِلَّا بِكُلْفَةٍ كَقَوْلِهِ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] الْآيَةَ {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ - فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 146 - 89] ((وَعَمَلٌ)) بِالْأَرْكَانِ، وَهَذَا هُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ، قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ اللَّفْظُ الْوَارِدُ عَنِ السَّلَفِ

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 404
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست