responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 388
الْمَسَرَّةُ وَالْيَدُ الْبَيْضَاءُ الصَّالِحَةُ، كَالنُّعْمَى بِالضَّمِّ، وَالنَّعْمَاءُ بِالْفَتْحِ مَمْدُودَةٌ، وَالْجَمْعُ أَنْعُمٌ وَنِعَمٌ وَنِعِمَاتٌ بِكَسْرَتَيْنِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ، وَنَعِيمُ اللَّهِ عَطِيَّتُهُ. قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الْجُيُوشِ الْإِسْلَامِيَّةِ: النِّعْمَةُ نِعْمَتَانِ: نِعْمَةٌ مُطْلَقَةٌ، وَنِعْمَةٌ مُقَيَّدَةٌ، فَالنِّعْمَةُ الْمُطْلَقَةُ هِيَ الْمُتَّصِلَةُ بِسَعَادَةِ الْأَبَدِ، وَهِيَ نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَنْ نَسْأَلَهُ فِي صِلَاتِنَا أَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى صِرَاطِ أَهْلِهَا، وَمَنْ خَصَّهُمْ بِهَا وَجَعَلَهُمْ أَهْلَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى حَيْثُ يَقُولُ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فَهَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ هُمْ أَهْلُ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] ، وَإِذَا قِيلَ لَيْسَ لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَالنِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ النِّعْمَةُ الْمُقَيَّدَةُ، كَنِعْمَةِ الصِّحَّةِ، وَالْغِنَى، وَعَافِيَةِ الْجَسَدِ، وَبَسْطِ الْجَاهِ وَكَثْرَةِ الْوَلَدِ، وَالزَّوْجَةِ الْحَسَنَةِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ، وَالْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَإِذَا قِيلَ: لِلَّهِ عَلَى الْكَافِرِ نِعْمَةٌ؛ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَهُوَ حَقٌّ، فَلَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ السَّلْبِ وَلَا الْإِيجَابِ إِلَّا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ النِّعَمَ الْمُقَيَّدَةَ لَمَّا كَانَتِ اسْتِدْرَاجًا لِلْكَافِرِ، وَمَآلُهَا إِلَى الْعَذَابِ وَالشَّقَاءِ، فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَلِيَّةً كَمَا سَمَّاهَا اللَّهُ - تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ كَذَلِكَ، فَقَالَ: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15] الْآيَتَيْنِ ; وَلِهَذَا قَالَ كُلًّا أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَكْرَمْتُهُ فِي الدُّنْيَا وَنَعَّمْتُهُ فِيهَا قَدْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِلَاءٌ مِنِّي وَاخْتِبَارٌ، وَلَا كُلُّ مَنْ قَدَّرْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَجَعَلْتُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ أَكُونُ قَدْ أَهَنْتُهُ، بَلْ أَبْتَلِي عَبْدِي بِالنِّعَمِ كَمَا أَبْتَلِيهِ بِالْمَصَائِبِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُذْنِبًا، وَلَوْ مُصِرًّا عَلَى كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ؛ لَمْ نَقْطَعْ لَهُ بِخُرُوجٍ مِنَ الدِّينِ، بَلْ نُثْبِتُ أَنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَمْ نَقْطَعْ لَهُ بِدُخُولِ النَّارِ بَلْ نُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَى الْحَلِيمِ الْغَفَّارِ، فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُخَلِّدُهُ فِي النَّارِ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ ابْتِدَاءً، إِمَّا بِشَفَاعَةٍ مَقْبُولَةٍ، أَوْ بِدَعْوَةِ صَالِحٍ، أَوْ بِمُصِيبَةٍ؛ مِنْ تَشْدِيدٍ عِنْدَ الْمَوْتِ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَصَائِبِ الْبَرْزَخِ، وَالصَّدَقَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَالْأَعْمَالِ الْصَالِحَةِ

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست