responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 381
بِتَكْفِيرِهَا، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ، وَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ - تَعَالَى -، إِذْ لَوْ قَطَعَ بِتَكْفِيرِهَا لَكَانَتِ الصَّغَائِرُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ الَّذِي لَا تَبِعَةَ فِيهِ، وَذَلِكَ نَقْضٌ لِعُرَى الشَّرِيعَةِ.
قَالَ الْحَافِظُ: لَا يُقْطَعُ بِتَكْفِيرِهَا ; لِأَنَّ أَحَادِيثَ التَّكْفِيرِ الْمُطْلَقَةَ بِالْأَعْمَالِ جَاءَتْ مُقَيَّدَةً بِتَحْسِينِ الْعَمَلِ، كَمَا وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ، وَالصَّلَاةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ حُسْنِ الْعَمَلِ الَّذِي يُوجِبُ التَّكْفِيرَ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ يَنْبَنِي وُجُوبُ التَّوْبَةِ مِنَ الصَّغَائِرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: لَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ، وَإِذَا صَارَتِ الصَّغَائِرُ كَبَائِرَ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا فَلَا بُدَّ لِلْمُحْسِنِينَ مِنِ اجْتِنَابِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّغَائِرِ ; حَتَّى يَكُونُوا مُجْتَنِبِينَ لِكَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ، وَقَدْ قَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ - وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 36 - 40] فَهَذِهِ الْآيَاتُ تَضَمَّنَتْ وَصْفَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِيَامِهِمْ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالتَّوَكُّلِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَالِاسْتِجَابَةِ لِلَّهِ فِي جَمِيعِ طَاعَاتِهِ، وَمَعَ هَذَا هُمْ مُجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ، فَهَذَا تَحَقُّقُ التَّقْوَى، وَوَصَفَهُمْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِلْخَلْقِ بِالْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَنَدَبَهُمْ إِلَى الْعَفْوِ، وَالْإِصْلَاحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] فَلَيْسَ مُنَافِيًا لِلْعَفْوِ، فَإِنَّ الِانْتِصَارَ يَكُونُ بِإِظْهَارِ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ، ثُمَّ يَقَعُ الْعَفْوُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ، قَالَ النَّخَعِيُّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا، فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يَكْرَهُونَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ فَيَجْتَرِئَ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا بُغِيَ عَلَيْهِ يُظْهِرُ الْقُدْرَةَ عَلَى الِانْتِقَامِ، ثُمَّ يَعْفُو بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[التَّنْبِيهُ الثَّالث هل يبلغ العبد حالة لا تقبل توبته فيها]
((الثَّالِثُ:))
تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْعَبْدِ: هَلْ يَصِيرُ إِلَى حَالٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِيهِ قَبُولُ التَّوْبَةِ إِذَا أَرَادَهَا؟ فَصَوَّبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - أَنَّ التَّوْبَةَ مُمْكِنَةٌ مِنْ

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 381
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست