responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 378
حَسَنَةٌ وُسِّعَ لَهُ بِهَا فِي الْجَنَّةِ» " وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: « {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْجَرُونَ عَلَى الشَّيْءِ الْقَلِيلِ إِذَا أَعْطُوهُ، فَيَسْتَقِلُّونَ أَنْ يُعْطُوا الْمِسْكِينَ تَمْرَةً، أَوْ كِسْرَةً، أَوْ جَوْزَةً، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَيَرُدُّونَهُ وَيَقُولُونَ مَا هَذَا بِشَيْءٍ، إِنَّمَا نُؤْجَرُ عَلَى مَا نُعْطِي وَنَحْنُ نُحِبُّهُ، وَكَانَ آخَرُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يُلَامُونَ عَلَى الذَّنْبِ الْيَسِيرِ كَالْكَذْبَةِ، وَالنَّظْرَةِ، وَالْغَيْبَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا أَوْعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَرَغَّبَهُمُ اللَّهُ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يُعْطُوهُ، فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْثُرَ، وَحَذَّرَهُمُ الْيَسِيرَ مِنَ الشَّرِّ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكْبُرَ فَنَزَلَتْ» ، وَالذَّرُّ أَصْغَرُ النَّمْلِ خَيْرًا يَرَهُ يَعْنِي فِي كِتَابِهِ، وَيَسُرُّهُ ذَلِكَ، قَالَ: يَكْتُبُ لِكُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةً وَاحِدَةً، وَبِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشَرَةَ حَسَنَاتٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ ضَاعَفَ اللَّهُ حَسَنَاتِ الْمُؤْمِنِ أَيْضًا، بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرًا، فَيَمْحُو عَنْهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، فَمَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةِ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ.
فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، ثُمَّ تَسْقُطُ الْحَسَنَاتُ الْمُقَابِلَةُ لِلسَّيِّئَاتِ، وَيُنْظَرُ إِلَى مَا يَفْضُلُ مِنْهَا بَعْدَ الْمُقَاصَّةِ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَةٍ وَاحِدَةٍ أُثِيبَ بِتِلْكَ الْحَسَنَةِ خَاصَّةً، وَتَسْقُطُ بَاقِي حَسَنَاتِهِ فِي مُقَابَلَةِ سَيِّئَاتِهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: يُثَابُ بِالْجَمِيعِ وَتَسْقُطُ عَنْهُ سَيِّئَاتُهُ كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ، وَهَذَا فِي الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَإِنَّهَا قَدْ تُمْحَى بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَعَ بَقَاءِ ثَوَابِهَا كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ، إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ» "، فَأَثْبَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ تَكْفِيرَ الْخَطَايَا وَرَفْعَ الدَّرَجَاتِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِائَةَ حَسَنَةٍ وَمَحَا عَنْهُ مِائَةَ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ» " فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ يَمْحُو السَّيِّئَاتِ وَيَبْقَى ثَوَابُهُ لِعَامِلِهِ مُضَاعَفًا، كَذَلِكَ سَيِّئَاتُ التَّائِبِ تَوْبَةً نَصُوحًا تُكَفَّرُ عَنْهُ، وَتَبْقَى لَهُ حَسَنَاتُهُ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} [الأحقاف: 15]- إِلَى قَوْلِهِ: {وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15] قَالَ - تَعَالَى -: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 16]

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 378
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست