responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 375
ابْنُ رَجَبٍ: وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ الْمُرْجِئَةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَكَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ، وَحَكَى إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ، مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَيْنِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: أَحَدُهُمَا: عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ شَرْطٌ لِتَكْفِيرِ هَذِهِ الْفَرَائِضِ لِلصَّغَائِرِ، فَإِنْ لَمْ يَجْتَنِبْ؛ لَمْ تُكَفِّرْ هَذِهِ الْفَرَائِضُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ، وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُكَفِّرُ الصَّغَائِرَ مُطْلَقًا وَلَا تُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ، وَإِنْ وُجِدَتْ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَيْهَا، مُرَادُهُ أَنَّهُ إِذَا أَصَرَّ عَلَيْهَا صَارَتْ كَبِيرَةً، فَلَمْ تُكَفِّرْهَا الْأَعْمَالُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَحْضُرُ صَلَاةً مَكْتُوبَةً، فَيُحْسِنُ وَضَوْءَهَا وَخُشُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ، مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ» " وَفِي هَذَا الْمَعْنَى أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ تُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ، مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ، وَإِيَّاهُ عَنَى الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنِ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ لَوْلَا قَوْلُ ذَلِكَ الْقَائِلِ، وَخَشِيتُ أَنْ يَغْتَرَّ بِهِ جَاهِلٌ فَيَنْهَمِكَ فِي الْمُوبِقَاتِ اتِّكَالًا عَلَى أَنَّهَا تُكَفِّرُهَا الْفَرَائِضُ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَنَحْوِهَا، دُونَ النَّدَمِ، وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، وَاللَّهُ نَسْأَلُهُ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي كَلَامِ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ، وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ فِي قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدَرِ، قَالَ: يُرْجَى لِمَنْ قَامَهَا أَنْ يُغْفَرَ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا. قَالَ: فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُمْ أَنَّ مَنْ أَتَى بِفَرَائِضِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْكَبَائِرِ - أَنَّهَا تُغْفَرُ لَهُ قَطْعًا؛ فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الدِّينِ بُطْلَانُهُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ أَسَاءَ فِي الْإِسْلَامِ أُخِذَ بِالْأَوَّلِ، وَالْآخِرِ» " يَعْنِي بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. قَالَ: وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى بَيَانٍ. قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْإِصْرَارَ عَلَى الْكَبَائِرِ وَحَافَظَ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَلَا نَدَمٍ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ - كُفِّرَتْ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا بِذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 375
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست