responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 344
ذَلِكَ الْمُنْتَفَعُ بِهِ ((مِنْ حَلَالٍ)) وَهُوَ مَا انْحَلَّتْ عَنْهُ التَّبِعَاتُ، وَهُوَ ضِدُّ الْحَرَامِ ; وَلِهَذَا قَالَ ((أَوْ ضِدُّهُ)) أَيْ ضِدُّ الْحَلَالِ، وَهُوَ الْحَرَامُ، وَهُوَ مَا مُنِعَ مِنْهُ شَرْعًا، إِمَّا لِصِفَةٍ فِي ذَاتِهِ ظَاهِرَةٍ كَالسُّمِّ وَالْخَمْرِ، أَوْ خَفِيَّةٍ كَالرِّبَا وَمُذَكَّى الْمَجُوسِ وَنَحْوِهِ ; لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيْتَةِ، وَإِمَّا لِخَلَلٍ فِي تَحْصِيلِهِ كَالرِّبَا وَالْغَصْبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ ذَلِكَ رِزْقٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَسُوقُهُ لِلْحَيَوَانِ فَيَتَنَاوَلُهُ وَيَتَغَذَّى بِهِ، وَخَالَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا: الْحَرَامُ لَيْسَ بِرِزْقٍ، وَفَسَّرُوهُ تَارَةً بِمَمْلُوكٍ يَأْكُلُهُ الْمَالِكُ، وَتَارَةً بِمَا لَا يُمْنَعُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَا حَلَالًا، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَا يَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ لَيْسَ بِرِزْقٍ مَعَ ظَاهِرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] فَيَكُونُ مُصَادِمًا لِلْقُرْآنِ ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ دَابَّةٍ مَرْزُوقَةً، وَلَا يَنْفَعُهُمْ زَعْمُهُمْ أَنَّ تَسْمِيَةَ مَا يَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ رِزْقًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهِهِ بِمَا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْإِنْسَانِ فَيَأْكُلُهُ، فَيَكُونُ لَفْظُ الرِّزْقِ مَجَازًا عَمَّا تَأْكُلُهُ الدَّوَابُّ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ دَابَّةٍ مَرْزُوقَةً حَقِيقَةً ; لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا التَّأْوِيلُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَعَارَفِ فِي اللُّغَةِ، فَلَا يَصِحُّ ارْتِكَابُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ إِنَّ تَفْسِيرَهُمُ الرِّزْقَ بِذَلِكَ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ، وَلَا مُنْعَكِسٍ لِدُخُولِ مِلْكِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَخُرُوجِ رِزْقِ الدَّوَابِّ، وَالْعَبِيدِ، وَالْإِمَاءِ، وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ الْحَرَامَ طُولَ عُمُرِهِ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ الْحَاصِلِ مِنَ الْأُمَّةِ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنْ لَا رَازِقَ إِلَّا اللَّهُ، وَإِنِ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ الذَّمَّ وَاللَّوْمَ عَلَى أَكْلِ الْحَرَامِ.
وَالْإِضَافَةُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - مُعْتَبَرَةٌ فِي مَفْهُومِ الرِّزْقِ، وَكُلُّ أَحَدٍ مُسْتَوْفٍ رِزْقَ نَفْسِهِ، حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ لَا يَأْكُلَ إِنْسَانٌ رِزْقَهُ، أَوْ يَأْكُلَ غَيْرَ رِزْقِهِ ; لِأَنَّ مَا قَدَّرَ اللَّهُ - تَعَالَى - غِذَاءً لِشَخْصٍ يَجِبُ أَنْ يَأْكُلَهُ وَيَمْتَنِعَ أَنْ يَأْكُلَهُ غَيْرُهُ ; وَلِهَذَا قَالَ: ((فَحُلْ)) أَيْ زُلَّ وَارْجِعْ ((عَنِ الْمُحَالِ)) وَجْهُ كَوْنِهِ مُحَالًا أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَبْقَى بِلَا رِزْقٍ، وَلَا يُمْكِنُ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ رِزْقَهُ، فَإِذَا تَغَذَّى طُولَ عُمُرِهِ بِالْحَرَامِ؛ يَكُونُ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -، وَهُوَ مُحَالٌ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُعْتَزِلَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْمُحَالِ، وَلِهَذَا أَوْضَحَ كَوْنَ ذَلِكَ مُحَالًا بِقَوْلِهِ: ((لِأَنَّهُ)) - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - ((رَزَقَ كُلَّ الْخَلْقِ)) كَمَا فِي الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ مِمَّا

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 344
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست