responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 281
وَأَوَّلُ الْبُغْيَةِ آخِرُ الْمُدْرَكِ. وَيُقَالُ: إِنَّ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ - بِهَا صَارَ الْفَاعِلُ فَاعِلًا، فَمَنْ فَعَلَ فِعْلًا لِمَطْلُوبٍ، يَطْلُبُهُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ كَانَ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الْفِعْلِ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ قَدِيمًا؛ كَانَ الْفِعْلُ قَدِيمًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَلَوْ قِيلَ: إِنَّهُ يَفْعَلُ لِعِلَّةٍ قَدِيمَةٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَحْدُثَ شَيْءٌ مِنَ الْحَوَادِثِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ، وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ فَعَلَ لِعِلَّةٍ حَادِثَةٍ لَزِمَ مَحْذُورَانِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْحَوَادِثِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ مِنْهَا حُكْمٌ؛ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا أَوْلَى بِهِ مِنْ عَدَمِهَا، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ عَادَ إِلَيْهِ مِنْهَا حُكْمٌ؛ كَانَ ذَلِكَ حَادِثًا، فَتَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ، وَالْمَحْذُورُ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ التَّسَلْسُلَ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ الْحَادِثَةَ الْمَطْلُوبَةَ بِالْفِعْلِ هِيَ أَيْضًا مِمَّا يُحْدِثُهُ اللَّهُ - تَعَالَى - بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ لَزِمَ الْعَبَثُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ كَانَ لِعِلَّةٍ عَادَ التَّقْسِيمُ فِيهَا، فَإِذَا كَانَ كُلُّ مَا يُحْدِثُهُ أَحْدَثَهُ لِعِلَّةٍ، وَالْعِلَّةُ: مَا أَحْدَثَهُ؛ لَزِمَ تَسَلْسُلُ الْحَوَادِثِ، الثَّانِي: أَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُرَادَةً لِنَفْسِهَا، أَوْ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ امْتَنَعَ حُدُوثُهَا ; لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لِذَاتِهِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ؛ لَا يُؤَخِّرُ إِحْدَاثَهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الْغَيْرِ كَالْقَوْلِ فِيهَا وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. فَهَذِهِ الْحُجَجُ مِنْ حُجَجِ مَنْ يَنْفِي تَعْلِيلَ أَفْعَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَحْكَامِهِ.
التَّقْدِيرُ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الْعِلَّةَ الْغَائِيَّةَ قَدِيمَةً كَمَا يَجْعَلُ الْعِلَّةَ الْفَاعِلِيَّةَ قَدِيمَةً، كَمَا يَقُولُهُ الْفَلَاسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَأَصْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمُبْدِعَ لِلْعَالَمِ - عِلَّةٌ تَامَّةٌ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا مَعْلُولُهَا، وَأَعْظَمُ حُجَجِهِمْ قَوْلُهُمْ إِنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كَوْنِهِ فَاعِلًا إِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَزَلِ لَزِمَ وُجُودُ الْمَفْعُولِ فِي الْأَزَلِ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا مَعْلُولُهَا، فَإِنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ تَكُنْ جَمِيعُ شُرُوطِ الْفِعْلِ وُجِدَتْ فِي الْأَزَلِ، فَإِنَّا لَا نَعْنِي بِالْعِلَّةِ التَّامَّةِ إِلَّا مَا تَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُولَ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْهَا الْمَعْلُولُ؛ لَمْ تَكُنْ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ الَّتِي هِيَ جَمِيعُ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْفِعْلِ، وَهِيَ الْمُقْتَضَى التَّامُّ لِوُجُودِ الْفِعْلِ، وَهِيَ جَمِيعُ شُرُوطِ الْفِعْلِ الَّتِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الْفِعْلِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَمِيعُهَا فِي الْأَزَلِ؛ فَلَا بُدَّ إِذَا وُجِدَ الْمَفْعُولُ بَعْدَ ذَلِكَ - مِنْ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ، وَإِلَّا لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ طَرَفَيِ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَإِذَا

اسم الکتاب : لوامع الأنوار البهية المؤلف : السفاريني    الجزء : 1  صفحة : 281
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست