اسم الکتاب : كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأوهام المؤلف : ابن سحمان، سليمان الجزء : 1 صفحة : 324
وهؤلاء الثلاثة صدقوا وعوقبوا بالهجر ثم تاب الله عليهم لبركة الصدق إذا تحققت هذا فالهجر المشروع إنما هو في حق العصاة المذنبين لا في حق الكافر فإن عقوبته على كفره أعظم من الهجر وهجر العصاة المذنبين من أهل الإسلام إنما هو على وجه التأديب فيراعي الهاجر المصلحة الراجحة في الهجر أو الترك كما سيأتي بيانه وهذه المسألة قد كفانا الجواب عنها شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه- فقال الهجر الشراعي نوعان: أحدهما بمعنى الترك للمنكرات والثاني بمعنى العقوبة عليها فالأول هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} وقوله: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} الآية فهذا يراد به أنه لا يرى المنكرات بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم أو حضر بغير اختياره ولهذا يقال حاضر المنكر كفاعله وفي الحديث من كان يؤمن بالله اليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه لفعل المنكرات قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ومن هذا الباب الهجر من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به ومن هذا قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات فيهجر حتى يتوب منها كما هجر النبي –صلى الله عليه وسلم- والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين من غير عذر ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقاً فهذا الهجز بمنزلة التعزير والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل
اسم الکتاب : كشف غياهب الظلام عن أوهام جلاء الأوهام المؤلف : ابن سحمان، سليمان الجزء : 1 صفحة : 324