responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية - ت محب الدين الخطيب المؤلف : الآلوسي، محمود شكري    الجزء : 1  صفحة : 219
78 -] يقول الله سبحانه {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ - وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ - قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 76 - 78]
فقدْ كفانا الله تعالى إبطالَ هذهِ الخَصْلة الجاهِلِيَّةِ بقوله في الآية الأولى [سبأ: 36] : {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سبأ: 36] وفي الآية الأخرى بقوله [القصص: 78] : {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ} [القصص: 78] إلخ، فَعَلِمْنا مِن ذلك أنَّ محبَّة الله ورضاء الله إنَّما يَكون بطاعتِهِ والانقياد لرسلِه، والإِذعانِ للحقِّ باتِّباعِ البُرهانِ.
وأمَّا كثرةُ المالِ، وسَعَةُ الرِّزقِ، وعيشُ الرَّخاءِ، فلا دليلَ فيه على نجاةِ المُنْعمِ عليه بمثلِ ذلك، ولو كانتِ الدُّنيا وما فيها تُعادِل عند الله جَناحَ بَعوضة ما سَقى مَنْ عصاه شربةَ ماءٍ. قالَ سُبحانَه [الزخرف: 33] : {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: 33] وعلى ذلك قول القائل: [1] .
كمْ عالم عالِم أعْيَتْ مَذاهِبُهُ ... وجاهِل جاهِل تَلْقاهُ مَرْزوقا (2)
ومما ينْسَبُ لبَعضِ الأكابرِ:
رضينا قِسْمَةَ الجَبَّارِ فينا ... لَنا عِلم وَلِلأعْداء مالُ
فإِنَّ المال يَفْنى عَنْ قريبٍ ... وَإِن العِلْمَ باقٍ لا يَزالُ
والشَّواهِدُ كثيرة. والمقصودُ أنَّ ما كانَ عليه أهلُ الجاهِلِيَّة مِنْ كونِ زَخارِفِ الدُّنيا مِن الأدلَّة على قُربِ مَن حازَها مِن الله وقَبوله عندَه فقول بعيد عن الحقِّ، ومذهب باطلٌ لا ينبغي لِمَنْ له بصيرة أنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ.

[1] هو أبو الحسين أحمد بن يحيى المشهور بابن الرواندي الملحد.
(2) وبعده:
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا.
اسم الکتاب : فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية - ت محب الدين الخطيب المؤلف : الآلوسي، محمود شكري    الجزء : 1  صفحة : 219
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست