responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية - ت محب الدين الخطيب المؤلف : الآلوسي، محمود شكري    الجزء : 1  صفحة : 217
حَيث لم يَسْتَعْمِلوها في معرفة الله تعالى {مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف: 26] أيْ: شَيْئًا من الأشياءِ، و"مِن" مَزيدَةٌ للتوكيدِ. وقولهُ: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [الأحقاف: 26] تَعليل للنَّفيِ، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: 26] مِن العذابِ الذي كانوا يَستَعجِلونَه بطريقِ الاستهزاءِ، ويَقُولونَ: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف: 22] فَهذه الآية تبطِلُ الاحْتِجاجَ بقومٍ أُعْطُوا مِن القوَةِ في الفهمِ والإِدراك وفي القدرةِ والملكِ؛ ظَنًّا أنَّ ذلكَ يَمْنَعُهُم منَ الضَّلالِ.
ألا تَرى أنَّ قومَ عادٍ كما أخْبَرَ عنهم التنزيلُ كانوا منَ القوَّةِ والبَسْطَةِ في الأموالِ والأبدانِ والإِدْراكِ وسَعَة الأذهانِ وغيرِ ذلك مما لم يَكن مِثْلُهُ لِلعربِ الذينَ أدركوا الإِسلامَ، ومَعَ ذلكَ ضَلُّوا عن سواءِ السَّبيلِ، وَكَذَّبوا الرُّسُلَ بالأباطيلِ، فالتَّوفيقُ للِإيمانِ باللهِ ورسلِه، والإِذعان للحق، وسُلوكِ سبيلِهِ إنِّما هو فَضْلٌ منَ الله تَعالى لا لِكَثرةِ مالٍ ولا لِحُسْنِ حالٍ.
وَمَنْ يُرِدِ الحَقَّ ويَسْتَدِلَّ بِكونِ مَن هو أحسنُ حالا منه لم يقبلْهُ، ولم يحُكِّم عقلَه، وَيَتَّبعْ ما يوصِله إِليه الدليل، فقد سَلَكَ سبيلَ الجاهِلِية، وحادَ عن المحجَّةِ المرْضِيَّة. ومِثلُ هذه الآية قولُه تَعالى [البقرة: 89] : {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] كانَ اليَهودُ يَعْلَمونَ مِن كُتُبِهِم رسالةَ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنَّ الله سَيُرْسِلُ نبِيّا كَرِيما من العَرَبِ، وكانوا مِن قبلُ يَسْتَفْتِحونَ على المُشرِكينَ ببعثتِهِ، ويَقولونَ. يَا ربَنا أرْسِلِ النَّبيَّ الموعودَ إرسالُه؛ حتّىَ نَنتصرَ على الأعداءِ، فَلَمَا جاءَهُم ما عَرَفوا، وهو محمَّد صلى الله عليه وسلم، كَفَروا بهِ؛ حَسَدًا منهم أنْ تكونَ النُّبُوَّةُ في العربِ، وهم بزعمِهم أحسنُ أثاثا ورِئْيا، ولَم يَعْلموا أنَّ النُّبُوَّةَ والإِيمانَ بها فضلٌ من الله يُؤتيهِ من يَشاءُ. ومِثلُها أيْضا قولُه تَعالى [البقرة: 146-147] : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: 146 - 147] الضَّميرُ في قولِه: (يَعْرِفوُنَه) عائد على العِلم في قولهِ [145] : {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 145] فَكِتمانُهُم الحَقَّ، وعَدَمُ جَرْيِهِم على مُقْتَضى

اسم الکتاب : فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية - ت محب الدين الخطيب المؤلف : الآلوسي، محمود شكري    الجزء : 1  صفحة : 217
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست