اسم الکتاب : فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية - ت علي مخلوف المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 149
تسليما، بل إنكارا، كأنه قيل: هذا الكذب الذي يدعيه لو كان حقا لكان الحقيق به رجل من القريتين عظيم.
وهذا منهم لجهلهم بأن رتبة الرسالة إنما تستدعي عظيم النفس بالتخلي عن الرذائل الدنية، والتحلي بالكمالات والفضائل القدسية، دون التزخرف بالزخارف الدنيوية.
فأنكر سبحانه عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32] وفيه تجهيل وتعجيب من تحكمهم بنزول القرآن العظيم على من أرادوا.
{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح، ولم نفوض أمرها إليهم، علما منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية.
{وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ} [الزخرف: 32] في الرزق وسائر مبادئ العيش.
{دَرَجَاتٍ} [الزخرف: 32] متفاوتة بحسب القرب والبعد حسبما تقتضيه الحكمة، فمن ضعيف وقوي، وغني وفقير، وخادم ومخدوم، وحاكم ومحكوم.
{لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: 32] ليستعمل بعضهم بعضا في مصالحهم، ويستخدموهم في مهنهم، ويسخروهم في أشغالهم، حتى يتعايشوا، ويترافدوا، ويصلوا إلى مرافقهم، لا لكمال في الْمُوَسَّع عليه، ولا لنقص في الْمُقَتَّر عليه، ولو فوضنا ذلك إلى تدبيرهم لضاعوا وهلكوا، فإذا كانوا في تدبير خُوَيْصَّة أمرهم، وما يصلحهم من متاع الدنيا الدنية وهو على طرف الثُّمام [1] بهذه الحالة، فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أنفسهم، وفي تدبير أمر الدين، وهو أبعد من مناط العَيُّوق، ومن أين لهم البحث في أمر النبوة، والتخير لها من يصلح لها، ويقوم بأمرها.
وفي قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف: 32] إلخ ما يُزَهِّد في الانكباب على طلب الدنيا، ويعين على التوكل على الله عز وجل، والانقطاع إليه جل جلاله. [1] الثمام: جمع ثمامة وثُمَّة، وهي شجرة ضعيفة، فإذا كانوا - مع سهولة هذا الأمر الذي يشابه في ضعفه هذه الشجرة - فإنهم لا يستطيعونه، فكيف بما هو أشد منه، وهو أمر النبوة؟! .
اسم الکتاب : فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية - ت علي مخلوف المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 149