من ريح المسك. وآمركم بالصدقة; فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فشدوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال لهم: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم؟ فجعل يفتدي بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وآمركم بذكر الله كثيرا; فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره، فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: الجماعة والسمع والطاعة، والهجرة; والجهاد في سبيل الله؛ فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثى [1] جهنم. قالوا: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ فقال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم التي سماهم الله عز وجل المسلمين المؤمنين عباد الله" [2].
وهذا حديث حسن، والشاهد منه في هذه الآية قوله: "إن الله خلقكم ورزقكم فاعبدوه ولا تشركوا به شيئا". وهذه الآية دالة على توحيد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له. وقد استدل بها كثير من المفسرين على وجود الصانع، وهي دالة على ذلك بطريق الأولى. والآيات الدالة على هذا المقام في القرآن كثيرة جدا. وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد:
تأمل في نبات الأرض وانظر ... إلى آثار ما صنع المليك
عيون من لجين ناظرات ... بأحداق هي الذهب السبيك
على قضب الزبرجد شاهدات ... بأن الله ليس له شريك
وقال ابن المعتز:
فيا عجبا كيف يعصى الإل ... هـ أم كيف يجحده الجاحد؟
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
قوله: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- في الآية: "الأنداد: هو الشرك، أخفى من دبيب [1] الجثا: بضم الميم وفتح الثاء المثلثة مقصورا -جمع جثو بضم الجيم- وهو الشيء المجموع. قال ابن الأثير: وتروى هذه الكلمة "جثي" بضم الجيم وكسر الثاء وتشديد الياء.. جمع جاث: وهو الذي يجلس على ركبتيه. [2] صحيح. أحمد (4/ 130 , 202 , 344) ، وصححه ابن حبان (1550- موارد) ، والحاكم (1/ 421 , 422) ، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1720) .