رحمه الله-: " أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك، فلا تحتاجون معه إلى أحد". وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقوله: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [1].
وقيل: المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون.
قال ابن القيم -رحمه الله-: " وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه; فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة. قال الله تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [2]. ففرق بين الحسب والتأييد، فجعل الحسب له وحده، وجعل التأييد له بنصره وبعباده، وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب، فقال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [3]. ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله. ونظير هذا قوله سبحانه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [4]. فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول، وجعل الحسب له وحده، فلم يقل: وقالوا: حسبنا الله ورسوله، بل جعله خالص حقه، كما قال: {إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} . فجعل الرغبة إليه وحده، كما قال تعالى: {إِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [5]. فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى". انتهى.
وبهذا يتبين مطابقة الآية للترجمة. فإذا كان هو الكافي لعبده وجب ألا يتوكل إلا عليه، ومتى التفت بقلبه إلى سواه وكله الله إلى من التفت إليه، كما في الحديث: " من تعلق شيئا وكل إليه " [6].
قال: "وقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ".
قال ابن القيم -رحمه الله- وغيره: أي كافيه. ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لا بد منه، كالحر والبرد والجوع والعطش. وأما أن يضره بما يبلغ به مراده منه فلا يكون أبدا، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء وفي الحقيقة إحسان وإضرار بنفسه; وبين الضرر الذي يتشفى به منه. قال بعض السلف: " جعل الله [1] سورة الطلاق آية: 3. [2] سورة الأنفال آية: 62. [3] سورة آل عمران آية: 173. [4] سورة التوبة آية: 59. [5] سورة الشرح آية: 8. [6] 304- تقدم تخريجه برقم (98) .