أخبر تعالى أن مساجد الله لا يعمرها إلا أهل الإيمان بالله واليوم الآخر، الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا بجوارحهم، وأخلصوا له الخشية دون من سواه، فأثبت لهم عمارة المساجد بعد أن نفاها عن المشركين؛ لأن عمارة المساجد بالطاعة والعمل الصالح، والمشرك وإن عمل فعمله {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [1]، أو {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [2]. وما كان كذلك فالعدم خير منه، فلا تكون المساجد عامرة إلا بالإيمان الذي معظمه التوحيد مع العمل الصالح الخالص من شوائب الشرك والبدع، وذلك كله داخل في مسمى الإيمان المطلق عند أهل السنة والجماعة.
قوله: {يَخْشَ إِلا اللَّهَ} قال ابن عطية: " يريد خشية التعظيم والعبادة والطاعة، ولا محالة أن الإنسان يخشى المحاذير الدنيوية، وينبغي أن يخشى في ذلك كله قضاء الله وتصريفه".
وقال ابن القيم رحمه الله: " الخوف عبودية القلب، فلا يصلح إلا لله، كالذل والإنابة والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب".
قوله: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} . قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: يقول: " إن أولئك هم المهتدون، وكل " عسى " في القرآن فهي واجبة 3". وفي الحديث:
وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [4] الآية.
" إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان " [5]. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِر ِ} [6]. رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري.
قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [7].
قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: يقول تعالى مخبرا عن صفات قوم من المكذبين الذين يدّعون الإيمان بألسنتهم، ولم يثبت في قلوبهم: أنهم إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أنها من نقمة الله بهم، فارتدوا عن الإسلام. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يعني فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله". [1] سورة النور آية: 39. [2] سورة إبراهيم آية: 18.
3 قال ابن كثير: قال ابن عباس: "كقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) . وهي الشفاعة. وقال محمد بن إسحاق بن يسار: "وعسى" في القرآن من الله حق". [4] سورة العنكبوت آية: 10. [5] ضعيف. أحمد (3/ 68 , 76) ، والترمذي: كتاب التفسير (3093) : باب ومن سورة التوبة, والحاكم (1/ 212 , 213 , (2/ 332) . وإسناده ضعيف. وضعفه الألباني في المشكاة (723) وضعيف الجامع (608) . [6] سورة التوبة آية: 18. [7] سورة العنكبوت آية: 10.