قال عكرمة: " كنا جلوسا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير. فقال له ابن عباس: لا خير ولا شر ". فبادره بالإنكار عليه لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر. وخرج طاوس مع صاحب له في سفر، فصاح غراب، فقال الرجل: خير. فقال طاوس: وأي خير عند هذا؟ لا تصحبني. اهـ ملخصا.
وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل على جواز الطيرة، كقوله صلي الله عليه وسلم: " الشؤم في ثلاث: في المرأة، والدابة، والدار " [1]. ونحو هذا.
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: " إخباره صلي الله عليه وسلم بالشؤم في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها الله سبحانه، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشئومة على من قاربها وساكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدا مشئوما يريان الشر على وجهه، وكذلك ما يعطاه العبد من ولاية وغيرها، فكذلك الدار والمرأة والفرس. والله سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس، فيخلق بعض هذه الأعيان سعودا مباركة، ويقضي بسعادة من قاربها وحصول اليمن والبركة له. ويخلق بعضها نحوسا يتنحس بها من قاربها. وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، كما خلق المسك وغيره من الأرواح الطيبة ولذذ بها من قاربها من الناس. وخلق ضدها وجعلها سببا لألم من قاربها من الناس، والفرق بين هذين النوعين مدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل. فهذا لون والطيرة الشركية لون". انتهى.
قوله: "ولا هامة" بتخفيف الميم على الصحيح. قال الفراء: الهامة طير من طير الليل. كأنه يعني البومة. قال ابن الأعرابي: " كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم، يقول: نَعَتْ إليّ نفسي أو أحدا من أهل داري، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله".
قوله: "ولا صفر" بفتح الفاء، روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال: " هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الجرب عند العرب. وعلى هذا فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى". وممن قال بهذا: سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير. [1] البخاري: كتاب الجهاد (2858) : باب ما يذكر من شؤم الفرس. مسلم: كتاب السلام (2225) (116) : باب الطيرة والفأل, وما يكون فيه من الشؤم. من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- بنحوه، وأخرجه بهذا اللفظ الترمذي: كتاب الأدب (2824) : باب ما جاء في الشؤم. والنسائي في الخيل (6/220) : باب شؤم الخيل. وابن ماجة: كتاب النكاح (995) : باب ما يكون فيه اليمن والشؤم. وأحمد (2/8,38) . من حديث ابن عمر أيضا.