القلوب بالمحبة وغيرها من أنواع العبادة" فلا إله إلا الله، نفت ذلك كله عن غير الله، وأثبتته لله وحده. فهذا هو ما دلت عليه كلمة الإخلاص مطابقة، فلا بد من معرفة معناها واعتقاده وقبوله، والعمل به باطنا وظاهرا والله أعلم.
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فتوحيد المحبوب أن لا يتعدد محبوبه أي مع الله تعالى بعبادته له، وتوحيد الحب: أن لا يبقى في قلبه بقية حب حتى يبذلها له، فهذا الحب - وإن سمي عشقا - فهو غاية صلاح العبد ونعيمه وقرة عينه، وليس لقلبه صلاح ولا نعيم إلا بأن يكون الله ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما، وأن تكون محبته لغير الله تابعة لمحبة الله تعالى، فلا يحب إلا الله، ولا يحب إلا لله، كما في الحديث الصحيح: " ثلاث من كن فيه " [1] الحديث [2]. ومحبة رسول الله صلي الله عليه وسلم هي من محبة الله، ومحبة المرء إن كنت لله فهي من محبته، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها، ويصدق هذه المحبة بأن تكون كراهيته لأبغض الأشياء إلى محبوبه - وهو الكفر - بمنزلة كراهيته لإلقائه في النار أو أشد، ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة، فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه وحياته شيئا، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه بحيث لو خير بين الكفر وبين إلقائه في النار لاختار أن يلقى في النار ولا يكفر، كان أحب إليه من نفسه، وهذه المحبة هي فوق ما يجده العشاق المحبون من محبة محبوبيهم، بل لا نظير لهذه المحبة؛ كما لا مثل لمن تعلقت به، وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد. وتقتضي كمال الذل والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة والانقياد ظاهرا وباطنا. وهذا لا نظير له في محبة المخلوق، ولو كان المخلوق من كان. ولهذا من أشرك بين الله وبين غيره في هذه المحبة الخاصة كان مشركا شركا لا يغفره الله؛ كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [3]. والصحيح: أن معنى الآية: أن الذين آمنوا أشد حبا لله من أهل الأنداد لأندادهم. كما تقدم أن محبة المؤمنين لربهم لا يماثلها محبة مخلوق أصلا، كما لا يماثل محبوبهم غيره. وكل أذى في محبة غيره فهو نعيم في محبته. وكل مكروه في محبة غيره فهو قرة عين في محبته. ومن ضرب لمحبته [1] البخاري: الإيمان (16) , ومسلم: الإيمان (43) , والترمذي: الإيمان (2624) , والنسائي: الإيمان وشرائعه (4987 ,4988 ,4989) , وابن ماجه: الفتن (4033) , وأحمد (3/103 ,3/113 ,3/172 ,3/174 ,3/176 ,3/206 ,3/230 ,3/248 ,3/251 ,3/272 ,3/275 ,3/278 ,3/288) . [2] رواه البخاري عن أنس بلفظ: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار". [3] سورة البقرة آية: 165.