اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 442
الوجه الثاني: أن الله تعالى أكمل الدين المبين قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحت الشريعة الغراء ليلها كنهارها، لم تغادر شيئاً من الأحكام ولا من بيان الحلال والحرام، وبسط الكلام عليها الأئمة ومجتهدوا الأمة فلم يبق حاجة إلى مراجعة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل إن عمر رضي الله تعالى عنه لم يوافق على كتابة الكتاب في مرضه- وقد طلب دواة وقرطاساً- والحديث مشهور. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [1]. فإذا أشكل أمر على أحد راجع أهل الذكر إن كان ممن لا يعلم، أو فتش على مقصده كتب الشريعة ونصوصها فما دلت عليه واقتضته عمل بموجبه من غير حاجة إلى كتابة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابته عند قبره، وقال عز اسمه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [2].
ذكر المفسرون: أن الخطاب عام للمؤمنين مطلقاً، والشيء خاص بأمر الدين بدليل ما بعده، والمعنى: فإن تنازعتم أيها المؤمنون أنتم وأولوا الأمر منكم في أمر من أمور الدين فردّوه إلى الله، أي: فارجعوا فيه إلى كتابه، والرسول، أي: إلى سنته. ولا شك أن هذا إنما يلائم حمل أولي الأمر على الأمراء دون العلماء، لأن للناس والعامة منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء، إذ المراد بهم المجتهدون، والناس ممن سواهم لا ينازعونهم في أحكامهم، وجعل بعضهم الخطاب فيه لأولي الأمر على الالتفات ليصح إرادة العلماء لأن للمجتهدين أن ينازع بعضهم بعضاً مجادلة ومحاجة، فيكون المراد أمرهم بالتمسك بما يقتضيه الدليل. وبعضهم قال: يراد الأعم مع أنه يجوز أن يكون الخطاب للمؤمنين، وتكون المنازعة بينهم وبين أولي الأمر باعتبار بعض الأفراد وهم الأمراء.
والمقصود؛ أن الله تعالى أمر المؤمنين عند التنازع أن يراجعوا الكتاب [1] سورة المائدة: 3. [2] سورة النساء: 59.
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 442