اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 360
فإن هذا كفر بالاتفاق؛ فجواب هذا تقدم في الوجه الثاني، وذكرنا أن المشركين من عهد نوح إلى عهد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لم يقصدوا سوى هذا، ولم يدعوا لآلهتهم غيره، وأنهم ما زادوا حرفاً واحداً على هذا العراقي وشيعته، وهو يظن أن النزاع في دعواه الاستقلال وليس الأمر كذلك، فإن النزاع بين الرسل وقومهم إنما هو في توحيد العبادة، فكل رسول أول ما يقرع أسماع قومه بقوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [1] وكان المشركون من الجاهلية يقولون في تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك" فأثبتوا الشرك في العبادة واعتقدوا أن آلهتهم مملوكة لا مستقلة، وهذا ظاهر في القرآن والسنة، لا يجهله من عرف ما الناس فيه من أمر دينهم، وإنما خفي ذلك على هذا المعترض لفرط جهله وقلة فهمه، ولأنه نشأ بين عباد القبور المتوسلين بها وبأهلها، فظن أن هذا هو الإسلام، والمسكين لم يعرف ربه وما يجب له من الحقوق على كافة الأنام، ولم يتخرج على إمام يعتمد في بيان الشرائع والأحكام، مع أن عباد القبور في هذه الأزمان اعتقدوا التدبير والتصريف لمن يعتقدونه، فطائفة قالت يتصرف في الكون سبعة، وطائفة قالت يتصرف أربعة، وطائفة قالت يتصرف سبعون! واختلفوا في قطبهم الذي إليه يرجعون- تعالى الله عما يقول الظالمون- فأهل مصر يرون أنه البدوي، وأهل العراق يرجّحون الشيخ عبد القادر، والرافضة يرون ذلك للأئمة من أهل البيت، وهذا مشتهر عنهم لا ينكره إلا مكابر.
وقد حكم المعترض الجاهل بأن دعوى الاستقلال كفر بالاتفاق، وعلى قول غلاة عباد القبور مصدر التصريف عنهم يستقلون به، لأن الوكيل يستقل بتدبير ما وكل إليه، وحينئذ فإذا لم يعرف العبادة ومسألة النزاع كيف يجادل عن قوم جزم بكفرهم وحكى عليه الاتفاق؟! فالرجل مخلط لا يدري ما يقول.
وأما قوله: ولا "يخطر ببال مسلم جاهل فضلاً عن عالم" إلخ. [1] سورة الأعراف: 59.
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 360