اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 357
فضيعه، وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، طاعته المخلوق أهم عنده من طاعته، فلله الفَضْلَةُ من قلبه وقوله وعمله، وسواه المقدم في ذلك لأنه المهم عنده، يستخف بنظر الله إليه وإطلاعه عليه وهو في قبضته وناصيته بيده، ويعظم نظر المخلوق إليه وإطلاعهم عليه بكل قلبه وجوارحه، يستحيي من الناس ولا يستحيي من الله عز وجل، ويخشى الناس ولا يخشى الله عز وجل، ويعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عز وجل عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام في خدمة إلهه من البشر قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة، قد فرغ له قلبه وجوارحه، وقدمه على كثير من مصالحه، حتى إذا قام في حق ربه -إن ساعده القدر-[1] قام قياماً لا يراه مثله لمخلوق من مخلوقاته، وبدا له ما لم يستح أن يواجه به مخلوقاً لمثله، فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه؟ وهل قدره حق قدره من شارك بينه وبين عدوه نجي محض حقه من الإجلال والتعظيم والطاعة والذل والخضوع والخوف والرجاء؟ فلو جعل من أقرب الخلق إليه شريكاً في ذلك لكان ذلك جزاؤه، وتوثبا على محض حقه واستهانة به، وتشريكاً بينه وبين غيره فيما لا ينبغي ولا يصلح إلا له سبحانه وتعالى، فكيف وإنما شرك بينه وبين أبغض الخلق إليه وأهونهم عليه وأمقتهم عنده وهو عدو على الحقيقة، فإنه ما عبد من دون الله إلا الشيطان، كما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [2]. ولما عبد المشركون الملائكة بزعمهم وقعت عبادتهم في نفس الأمر للشيطان، وهم يظنون أنهم يعبدون الملائكة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [3]. [1] الصواب أن يقال: إن ساعده الله. ولا يجوز إضافة شيء للقدر أو الأقدار.. لأنها مخلوقة. وانظر: "المجموع الثمين في فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (1/115) . [2] سورة يس: 60- 61. [3] سورة سبأ: 40- 41.
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 357