responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري    الجزء : 1  صفحة : 283
الكلام على كتاب "جلاء العينين"
...
خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله على العرش ويعلم أعمالكم[1]. وذكر هذا الكلام أو قريباً منه في كتاب "الاستذكار".
(ذكر قول الإمام مالك الصغير) أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني.
قال في خطبته برسالته المشهورة: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات؛ من ذلك الإيمان بالقلب والنطق باللسان: أن الله إله واحد، لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير له، ولا ولد له، ولا والد له، ولا صاحبة له، ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، ولا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون، يعتبر المتفكرون بآياته ولا يتفكرون في ماهية ذاته: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [2] وهو العليم الخبير، المدبر القدير، السميع البصير، العلي الكبير، وأنه فوق عرشه المجيد بذاته، وهو بكل مكان بعلمه.
وكذلك ذكر مثل هذا في نوادره وغيرها من كتبه.
وذكر في كتاب المفرد في السنة تقرير العلو واستواء الرب تعالى على عرشه بذاته أتم تقرير، فقال: ما اجتمعت عليه الأمة من أمور الديانة من السنن التي خلافها بدعة وضلالة؛ أن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، لم يزل بجميع صفاته، وهو سبحانه موصوف بأنه له علماً وقدرة ومشيئة، أحاط علماً بجميع ما بدم قبل كونه، وفطر الأشياء بإرادته وقوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [3] وأن كلامه صفة من صفاته ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد، وأن الله عز وجل كلم موسى عليه الصلاة والسلام بذاته، وأسمعه كلامه لا كلاماً قام في غيره، وأنه يسمع ويرى، ويقبض ويبسط، وأن يديه مبسوطتان، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه، وأن يديه غير نعمته في ذلك، وفي قوله سبحانه: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ

[1] أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 242- 244/ 149، 150) .
[2] سورة البقرة: 255.
[3] سورة يس: 82.
موضوع الأولى ومحمول الثانية، وهي زيارة قبره واجبة، ثم يلزم على هذا لوازم: منها: أن تارك زيارة قبره عاص آثم مستحق للعقوبة منتفي العدالة لا تصح شهادته ولا تقبل روايته ولا فتواه، وفي هذا تفسيق جميع الصحابة إلا من صح عنه منهم الزيارة، ولا ريب أن هذا شر من قول الرافضة الذين فسّقوا جمهورهم بتركهم تولية علي، بل هو من جنس قول الخوارج الذين يكفرون بالذنب، لأن تارك هذه الزيارة عنده تارك لتعظيمه، وتارك تعظيمه كفر أو ملزوم للكفر، فإن تعظيم الرسول من لوازم الإيمان فعدمه مستلزم الكفر، وعلى هذا فكل من لم يزر قبره فهو كافر، لأنه تارك لتعظيمه صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن الروافض والخوارج لم يصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء من الجهل والكذب على الله ورسوله وعلى الأمة.
يوضحه الوجه الثاني: أن الخوارج إنما كفّروا الأمة بمخالفة أمره ومعصيته وتمسكوا بنصوص متشابهة لم يردوها إلى المحكم، وأما عباد القبور فكفروا بموافقة الرسول في نفس مقصوده، وجعلوا تجريد التوحيد كفراً وتنقصاً، فأين المكفر بالذنب من المكفر بموافقة الرسول وتجريد التوحيد؟
يوضحه الوجه الثالث: أن زيارة قبره لو كانت تعظيماً له لكانت مما لا يتم الإيمان إلا بها، ولكانت فرضاً معيناً على كل من استطاع إليها سبيلاً من قرب أو بعد، ولما أضاع السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان هذا الفرض، وقام به الخلف الذين خلفوا من بعدهم ويزعمون أنهم بذلك أولياء الرسول، وحزبه القائمون بحقوقه، وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا أهل طاعته، والقيام بما جاء به علماً ومعرفة وعملاً وإرشاداً وجهاداً، الذين جردوا توحيد الخالق وعرفوا للرسول حقه، ووافقوه في تنفيذ ما جاء به والدعوة إليه والذب عنه.
الوجه الرابع: أنه إذا كانت زيارة قبره واجبة على الأعيان كانت الهجرة إلى القبر آكد من الهجرة إليه في حياته، فإن الهجرة إلى المدينة انقطعت بعد الفتح، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح". وعند عُبّاد القبور أن الهجرة إلى القبر فرض معين على من استطاع إليه سبيلاً، وليس يخاف أن هذا مراغمة صريحة لما
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري    الجزء : 1  صفحة : 283
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست