اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 101
اسْتَطَعْتُمْ} [1]. [وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم] " [2] والذي تستطيعه من العلم والفقه في هذه المسألة قد دل على أن هذا القول هو الراجح، فعليك أن تتبع ذلك، ثم إن تبين لك فيما بعد أن للنص معارضاً راجحاً كان حكمك في ذلك حكم المجتهد المستقل إذا تغير اجتهاده. وانتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود عليه، بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه، وترك القول الذي وضحت حجته، أو الانتقال من قول إلى قول بمجرد عادة وإتباع هوى؛ فهذا مذموم. وإذا كان المقلد قد سمع حديثاً وتركه- لاسيما إذا كان قد رواه أيضاً عدل- فمثل هذا إذا وجد لا يكون عذراً في ترك النص. وقد بينا فيما كتبناه في "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" نحو عشرين عذراً في ترك العمل ببعض الأحاديث، وبيّنا أنهم معذورون في الترك لتلك الأعذار، وأما نحن فمعذورون في تركها لهذا القول. فمن ترك الحديث لاعتقاده أنه لم يصح، أن راوِيه مجهول أو نحو ذلك، ويكون غيره قد علم صحته، وثقة راويه؛ فقد زال عذر ذلك في حق هذا، ومن ترك الحديث لاعتقاده أن ظاهر القرآن يخالفه أو القياس، أو عمل لبعض الأنصار، وقد تبين للآخر أن ظاهر القرآن لا يخالفه، وأن نص الحديث الصحيح مقدم على الظواهر، ومقدم على القياس والعمل، لم يكن عذر ذلك الرجل عذراً في حقه، فإن ظهور المدارك الشرعية للأذهان وخفائها عنها أمر لا يضبط طرفاه، لاسيما إذا كان التارك للحديث معتقداً أنه قد ترك العمل به المهاجرون والأنصار -أهل المدينة النبوية وغيرها- الذين يقال: إنهم لا يتركون الحديث إلا لاعتقادهم أنه منسوخ، أو معارض براجح، وقد بلغ من بعدهم أن المهاجرين والأنصار لم يتركوه، بل قد عمل به بعضهم أو من سمعه منهم أو نحو ذلك مما يقدح في هذا المعارض للنص.
وإذا قيل لهذا المستفتي المسترشد: أنت أعلم أم الإمام الفلاني؟ كانت هذه [1] سورة التغابن: 16. [2] ما بين المعقوفتين أثبته من"مجموع الفتاوى". والحديث أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337) .
اسم الکتاب : غاية الأماني في الرد على النبهاني المؤلف : الآلوسي، محمود شكري الجزء : 1 صفحة : 101