ومنها: أنه رأى الخوارج أحاطوا بأطرافه، وعلم أنه إن اشتغل بحرب معاوية استولى الخوارج على البلاد، وإن اشتغل بالخوارج استولى عليه معاوية.
ومنها: أنه تذكر وعد جده الصادق عند كل أحد صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" وإنه لما سار الحسن إلى معاوية بالكتائب في أربعين ألفاً وقدم قيس بن سعد بعشرة آلاف قال عمرو بن العاص لمعاوية: إني أرى كتيبة لا تولي أولاها حتى تدبر أخراها فقال معاوية لعمرو: من لي بذراري المسلمين فقال: أنا فقال: عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة: تلقاه فتقول له: الصلح فصالحه فنفذ الوعد الصادق في قوله: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" 1.
وكان ذلك الصلح المبارك الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون علي يد سبطه الحسن بن علي عام واحد وأربعين هجرية "فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وذلك كمال ثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة وهذا من دلائل ـ نبوته ـ صلوات الله وسلامه عليه وسلم تسليماً، وقد مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صنيعه هذا وهو تركه الدنيا الفانية ورغبته في الآخرة الباقية، وحقنه دماء هذه الأمة فنزل عن الخلافة وجعل الملك بيد معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد"2 وتسليم الحسن الأمر لمعاوية يعتبر عقد بيعة منه له بالخلافة وكان ذلك في موضع يقال له: "مسكن"3 ولما نزل الحسن عن الخلافة لمعاوية بايعه "الأمراء من الجيشين واستقبل بأعباء الأمة فسمي ذلك العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على رجل واحد"4 ولاجتماع المسلمين بعد الفرقة وتفرغهم
1ـ أحكام القرآن لابن العربي 4/1719-1720.
2ـ البداية والنهاية 8/18.
3ـ مسكن: موضع قريب من أونا على نهر دجيل، "معجم البلدان" 5/127.
4ـ البداية والنهاية 6/250.