من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم ـ فأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا ـ فلم أكره مما قال غيرها، اللهم إلا أن تسول إلي نفسي عند الموت شيئاً لا أجده الآن فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها1 المحكك وعذيقها المرجب. منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش2 فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت3 من الاختلاف فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته4 وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار ونزونا5 على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قلتم سعد بن عبادة فقلت: قتل الله سعد بن عبادة قال عمر: وإنا والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإما بايعناهم على ما لا نرضي وإما نخالفهم فيكون فساداً فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه ثغرة أن يقتلا"6.
ولقد اعترف سعد بن عبادة رضي الله عنه بصحة ما قاله الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة من أن قريشاً هم ولاة هذا الأمر وسلم طائعاً منقاداً لما قاله
1ـ الجذيل: تصغير جذل ـ وهو في الأصل عود ينصب للإبل الجربى لتحتك به، والعذيق: تصغير العذق ـ وهو النخلة يحملها، والمرجب: اسم مفعول من قولهم: "رجب النخلة ترجيباً" إذا بنى حولها دكاناً تعتمد عليه وذلك إنما يضع إذا كثر ثمرها حتى خيف أن تسقط منه ولم يرد بالتصغير في الموضعين إلا المدح، انظر النهاية في غريب الحديث والأثر 1/251، 2/197، فتح الباري 7/31.
2ـ قائل هذا هو: الحباب بن المنذر "فتح الباري" 12/153.
3ـ الفرق: بالتحريك الخوف والفزع يقال: فرق يفرق فرقاً "النهاية في غريب الحديث" 3/438.
4ـ وفي رواية أخرى أخرجها ابن إسحاق أن عمر رضي الله عنه قال: "ثم أخذت بيده وبدرني رجل من الأنصار فضرب على يده قبل أن أضرب على يده ثم ضربت على يده وتابع الناس "ذكره الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 5/278، وقد سمى ابن سعد هذا الرجل بأنه: بشير بن سعد والد النعمان بن بشير الطبقات الكبرى 3/182 وانظر: البداية والنهاية 5/278.
5ـ ونزونا على سعد أي: وقعوا عليه ووطئوه "النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/44.
6ـ صحيح البخاري 4/179-180.