اسم الکتاب : عقيدة التوحيد في القرآن الكريم المؤلف : ملكاوي، محمد خليل الجزء : 1 صفحة : 97
وإن كثيرًا من الناس يقصرون مفهوم الدين على الاعتقاد والشعائر, ويعتبرون أن كل من يعتقد وحدانية الله وصدق رسوله ويؤمن بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويؤدي الشعائر المكتوبة، داخلًا في دين الله وإن كان خاضعًا بالطاعة لغير الله من الأرباب والآلهة المتفرقين في الأرض, وإنما سمى الله الأحبار والرهبان أربابًا من دون الله، لإعطائهم لأنفسهم حق التشريع في الحلال والحرام, فقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [1].
إن هذا الانكماش في مفهوم الدين حتى أصبح لا يعني في تصور كثير من الناس إلا الاعتقاد والشعائر، لم يكن كذلك يوم جاء هذا الدين منذ آدم ونوح إلى محمد عليهم السلام، لقد كان هذا الدين يعني دائمًا الالتزام بشرع الله في العقائد والشعائر والشرائع، ورفض ما يشرعه غيره وإفراده تعالى بالألوهية، وهذه هي الصورة الوحيدة التي تدخل الناس في دين الله، وأما إذا حكموا في حياتهم نظامًا وشرعًا من عند غير الله من الحكام والرؤساء، فهم في دين الحاكم الذي قبلوا نظامه وشرعه, ولا يجوز لمسلم أن يجهل هذه الحقيقة، وجهله لا يعفيه من أنه قد أشرك بالله غيره، وخرج من دينه لدين غيره من الأرباب والآلهة، لأن دين الله منهج شامل لجزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها، وكل جزئية من جزئيات الحياة اليومية وتفصيلاتها فضلًا عن أصولها وكلياتها داخلة في دين الله، وهي الإسلام الذي لا يقبل الله من أحد دينًا غيره، وأن الشرك بالله لا يتمثل فحسب في الاعتقاد بألوهية غيره معه، ولكنه يتمثل ابتداء في تحكيم أرباب غيره، وأن عبادة الأصنام لا تقتصر على الأحجار والأشجار، بل تتمثل في إقامة شعارات ومبادئ ونظم لها كل ما لتلك الأصنام من نفوذ، يقول ابن تيمية رحمه الله: وجماع الدين أصلان: أن لا نعبد إلا الله, ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، وكما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [2]، ففي الأولى: [1] سورة التوبة آية 31. [2] سورة الكهف آية 110.
اسم الکتاب : عقيدة التوحيد في القرآن الكريم المؤلف : ملكاوي، محمد خليل الجزء : 1 صفحة : 97