قتل الممتنع عن الصلاة كفرا وإجراء أحكام المرتد عليه، فإن هذا مما قام دليله وأمرنا بتنفيذه، ولم نؤمر بشق قلوب الناس ومعرفة ما إذا كان يحتمل أن يكون من الجهنميين أم لا؟
ولو أننا تركنا إقامة الأحكام الظاهرة واعتقاد مدلول الأدلة القطعية، لأجل احتمالات أو حالات خاصة، لما ثبت لنا أصل ولا أقمنا من شرعنا شيئا".
وهذه الحالة المخصوصة التي دلت عليها هذه الرواية، لا يصعب علينا تكييفها وتعليلها دون إخلال بالقاعدة والأصل في تركب الإيمان من القول والعمل معا"، وذلك بأن نقول: إن هذا الإيمان المركب أصله في القلب وجزؤه الظاهر على الجوارح، وبحسب قوة الباطن تكون قوة الظاهر، فقد يقع أن يضعف ذلك الأصل حتى ينزل عن أدنى مثقال ذرة، وهو الحد الأدنى للإيمان الذي نصت عليه الأحاديث، أعني الإيمان الذي يعلمه أهل الجنة ويعرفونه.
لكن ذلك لا يقتضي نفي ما هو أقل منه بأضعاف كثيرة مما يعلمه الله، وهذا الإيمان الذي يكون على تلك الدرجة من الضعف، لا يحرك صاحبه على عمل خير قط [1] ، وهذا لا يعارض الأصل الكلي الذي سبق تقريره وهو أن إيمان القلب مستلزم لإيمان الجوارح، ويتركب منهما معا حقيقة الإيمان الشرعية، لأن هذه حالة عارضة خفية تشبه حسب المثال السابق - الذي شبهنا فيه تركيب حقيقة الإيمان من القول والعمل، بتركيب الإنسان من الجسد والروح - حالة صاحب الغيبوبة العميقة الذي هو ميت حكما"، وإن كان فيه ذلك القدر الضئيل جدا" من الحياة، الذي لا يشعر به الناس.
فلا أحد يقول بإخضاع أحكام الأحياء الأصحاء لحكم مثل هذه الحالة الشاذة، أو يعارض بها السنن الثابتة المعلومة في الحياة والأحياء.
ونخلص من هذا إلى أنه مع حفظ عموم دلالة الأصول الكلية، توجد حالات خاصة يكون فيها تارك جنس العمل أو تارك الصلاة غير مخلد في النار، وقد لا يدخلها أصلا.
وإذا نظرنا إلى أحوال المنتسبين للإسلام لوجدنا أمثلة لمن يمكن أن تنطبق عليهم هذه الحالات الخاصة مثل: [1] إلا أنه يشهد أن لا إله إلا الله كم سبق بينا سابقا".