ومما يؤيد ذلك أنه قد ورد فى بعض روايات حديث الجهنميين هذا، أن هذا الرجل منهم، حيث ذكرت أنه آخر أهل النار خروجا منها" [1] .
ثانيا: من جهة الجمع:
وقبل بيان ذلك نقول: إن الجمع مقتضاه صحة الاستدلال، فهل هذا الحديث يصلح لما استدلت به المرجئة بإطلاق، أي دعوى أن الإيمان تصديق مجرد؟
الجواب:
أما المرجئة الغلاة، أي القائلون بأن الإيمان محله كله القلب وهو التصديق القلبي دون سائر أعمال القلب والجوارح كما هو مذهب الأشعرية والماتريدية والظاهرة عموما، والقائلين إن من صدق بقلبه نجا عند الله، وإن لم يشهد بلسانه كما نقلنا عن بعضهم فلا حجة لهم فيه بحال، إذ روايات الحديث فضلا عن الأصل القطعى الثابت دالة على أن الجهنميين هم من أهل شهادة أن لا إله إلا الله، فالإجماع قائم على أنه لا يدخل الجنة كافر قط ولا شفاعة له بحال وعلى أن من امتنع عن شهادة أن لا إله إلا الله ليس بمؤمن لا فى أحكام الدنيا ولا فى أحكام الآخرة كما قد سبق نقله. فمن الخطأ البين استدلال أبى حامد الغزالى بقوله فى الحديث: "من كان فى قلبه مثقال ذرة " على أن من قدر على الشهادة فأخرها فمات، فيحتمل أن يكون امتناعه عن النطق بمنزله امتناعه عن الصلاة، فيكون غير مخلد فى النار [2] .
فإن مثل هذا الاحتمال لا يعارض فى الإجماع، وقياسه على الممتنع عن الصلاة فاسد من وجوه كثيرة، منها: أن الشهادة أعظم من الصلاة، إذ لا تصح الصلاة ولا غيرها بدونها، ومنها أن الإجماع على تكفير الممتنع عن الصلاة ثابت عن الصحابة.
وقد أوردنا رواية أنس التي فيها: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفى قلبه وزن شعيرة من خير ... الحديث" فقول لا إله إلا الله - قيد لابد منه -، ولا يصح أن يقال: أن عموم (من لم يعملوا خيرا قط) يشمل هذا. [1] انظر: الفتح (11/313) ، ونسبها لأبى عوانة، وأما حكم الحافظ عليها بالشذوذ فلعله لما بينه ص314 ولا مجال لتفصيل ذلك. [2] نقله عنه فى الفتح (11/430) .