فأولئك إنما كان النبى صلى الله عليه وسلم يحكم فيهم كحكمه فى سائر المؤمنين، ولو حضرت جنازة أحدهم صلى عليها، ولم يكن منهيا" عن الصلاة إلا على من علم نفاقه، وإلا لزم أن ينقب عن قلوب الناس ويعلم سرائرهم، وهذا لا يقدر عليه بشر" [1] .
ثم قال: "والمقصود أن النبى صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن تلك الأمة بالإيمان الظاهر، الذى علقت به الأحكام الظاهرة، وإلا فقد ثبت عنه أن سعدا لما شهد لرجل أنه مؤمن قال: "أو مسلم؟ "، وكان يظهر من الإيمان ما تظهره الأمة وزيادة.
فيجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة، التي يحكم فيها الناس [2] فى الدنيا، وبين حكمهم فى الآخرة بالثواب والعقاب، فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمنا فى الباطن باتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكرامية الذين يسمون المنافق مؤمنا ... ولهذا أكثر ما اشترط الفقهاء فى الرقبة التي تجزئ فى الكفارة العمل الظاهر، فتنازعوا هل يجزئ الصغير؟ على قولين معروفين للسلف، هما روايتان عن أحمد: لا يجزى عتقه، لأن الإيمان قول وعمل والصغير لم يؤمن بنفسه، إنما إيمانه تبع لأبويه فى أحكام الدنيا، ولم يشترط أحد أن يعلم أنه مؤمن فى الباطن.
وقيل: بل يجزئ عتقه، لأن العتق من الأحكام الظاهرة وهو تبع لأبويه، فكما أنه يرث منهما، ويصلى عليه، ولا يصلى إلا على مؤمن، فإنه يعتق" (3)
هذا وقد ذكر الخلال عن الإمام أحمد رواية أخرى فى الجواب عن هذا الحديث هى أنه "قال يوما، وذكر عنده هذا الحديث - يعنى حديث الجارية التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يحتجون به يعني المرجئة - وهو حجة عليهم يقولون: الإيمان قول، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يرض منها حتى قال: "تؤمنين بكذا، تؤمنين بكذا" [4] .
ولعل هذا الجواب ذكره الإمام عند ذكر الحديث الذى رواه فى المسند عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء، وقال: "يا رسول الله، إن عليَّ رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها؟
(1) "الإيمان" ص201- 202. [2] كذا، وصواب العبارة: التي يحكم بها الناس.
(3) "الإيمان"، 203 - 204، ومما يدل لذلك أن أبا داود أورد الأحاديث الثلاثة فى كتاب الأيمان والنذور، لا فى كتاب الإيمان من سنته، لأن هذا هو موضعها. [4] لوحة 97.