أثر عمل الجوارح في أعمال القلب
أن الحديث عن عمل القلب وأهميته وتفصيل ذلك وبيان ارتباط أجزاء الإيمان بعضها ببعض من خلال ارتباط أعمال الجوارح به، وكونها فرعا له، وصورة لما فيه، ومقتضى لازما له - لا يعني أن أعمال الجوارح من الطاعات أو المعاصي لا تؤثر هي الأخرى على عمل القلب.
وحذرا من أن تشعر المباحث السابقة بذلك - رأيت أن اذكر ما يدل على اثر عمل الجارحة في عمل القلب، فبه تكتمل صورة التأثير المتبادلة، مما يدل دلالة أوضح على أن كلا منهما جزء من الحقيقة الواحدة الجامعة.
ولنبدأ ببيان اثر المعاصي على القلب، ثم نعقب ببيان اثر الطاعة عليه.
فأما آثار المعاصي في القلب فهي كثيرة جدا، وقد فصل الإمام الرباني ابن القيم كثيرا منها في كتاب: " الجواب الكافي "، وهاأنذا اقتبس بعضها موجزا وموضحا [1] :
1- حرمان العلم النافع: فان هذا العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئه، ولهذا كان السلف يرشدون تلاميذهم إلى ترك المعاصي، لكي يورثهم الله حقيقة العلم.
2- الوحشة بين العبد وربه: وهي وحشة لو اجتمعت لصاحبها ملذات الدنيا كلها لم تذهبها، ومن علاماتها وفروعها الوحشة بينه وبين أهل التقوى والإيمان.
3- الظلمة التي يجدها العاصي في قلبه: فان الطاعة نور والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات.
قال ابن عباس: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهناً في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق. [1] في ص 34 - 83.