فلا شك أن بين من يبطن الكفر بالله واليوم الآخر جملة واحدة - المتضمن تكذيب الرسول وبطلان القران - وبين من يقول للكفار سنطيعكم في بعض الأمر أو يستهزئ بشيء مما عظمه الله فرقا، وان اتحد الحكم عليهما بالردة والكفر، فان بعض الكفر اغلظ من بعض، كما قال الله تعالى:
«إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ» (التوبة: 37) .
وقال: «الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا» (التوبة: 97) .
فجعل بعض الكفر والنفاق اشد من بعض.
والمقصود أن نعلم أن الرجل قد يكون في باطنه مؤمنا بالدين في الأصل والجملة، ولكنه يكره شيئا مما انزل الله، أو لا يقر به في قلبه ولا يعتقد الالتزام به، فيكون حكمه حكم الكافر بالدين كله، وذلك كمن يكره بقلبه تحريم الربا، ويري ذلك مخالفا للمصلحة وغير مستقيم مع العقل إذا كان الطرفان متراضيين عليه، ونحو ذلك.
ومن يكره ما انزل الله بشان الحجاب وستر النساء عن الاختلاط بالرجال، ويراه نوعا من الظلم والامتهان للمرأة، أو يراه عائقا عن التنمية مخالفا لمصلحة المجتمع.
أو من يعتقد أن أحكام الجهاد ومقاتلة الكفار وسبي نسائهم وغنم أموالهم لا يليق بكرامة الإنسان وحريته، ولا يتناسب مع المساواة الإنسانية.
ومن يكره أن يقول أو يعتقد أن هؤلاء الكفار العصريين، أو أصحاب الحضارات المنقرضة - ومنهم الحكماء والأدباء والمخترعون - يحاسبهم الله يوم القيامة ويعذبهم بالنار، ولا يقبل منهم أي عمل أو إحسان.
ومن يعتقد أن من حق اتباع أي دين أن يدعوا إلى دينهم، وان ينشروه في كل مكان بتفاهم مع دعاة الإسلام، ووئام بين جميع الأديان.
ومن يكره ما انزل الله بشان معاملة الكفار وأحكام العلاقة بهم، ويعتقد أن الأوفق والأصلح هو مداهنتهم ومجاملتهم - بمقتضى الاتفاقات الدبلوماسية، والأعراف الدولية التي ارتضاها العالم المتحضر والأمم المتحدة.