[2] - قولهم بأن التصورات لا تنال إلا بالحدود فقط.
ولسنا في مقام نقد أصول المنطق [1] وإنما ينحصر غرضنا في الكلام عن تعريف الإيمان حسب قواعده وما رتب عليه من نتائج، ولهذا سنقتصر على بحث قضايا أساسية تتعلق جميعها بموضوع " النوع " لأنه هو الشيء المعرف كما سبق.
وهذه القضايا هي:
كون الغرض من التعريف هو تصور الحقيقة والماهية.
وجود الأنواع خارج الذهن.
تماثل أفراد النوع في الحقيقة والماهية.
* القضية الأولى:
إنه من المعلوم في كل العلوم والفنون أن أصحابها يبحثون فيها دون العروج على التعريف المنطقي لمفرداتها، بل يكتفون بالاسم المتعارف عليه أو الموضوع في أصل اللغة، وهذا في علوم العصر أجلى وأشهر، حيث عزف الفكر الغربي الحديث عن المنطق التقليدي " الكلاسيكي " جملة، كما أن هذا هو الحال بالطبع قبل أن يوجد أرسطو ومنطقه.
ثم إن المقصود من التعريف - عند أصحاب العلوم جميعا ما عدا الفلسفة والمنطق - هو تمييز الشيء عن غيره بحيث لا يشتبه به، وهذا هو المراد من كونه جامعا مانعا، وعلى هذا جرى الفقهاء والأصوليون والنحويون وغيرهم؛ كالكيميائيين والرياضيين ونحوهم، فأي وصف جامع مانع يكفي للتعريف، ولو كان عرضيا في نظر المناطقة [2] . [1] لقد فنده شيخ الإسلام ابن تيميه بالتفصيل الدقيق في كتابه النفيس " الرد على المنطقيين " وذلك قبل أن ينقده " هيجل " بستة قرون، على أن نقد هيجل كان إجماليا ومحدودا في قضايا خاصة، ومع هذا فإن الفكر الأوروبي يدين لهيجل بالفضل في ذلك معتبرا عمله في هدم المنطق الكلاسيكى من أعظم الانقلابات الفكرية في التاريخ. انظر: سلسلة تراث الإنسانية (2/ 715 - 731) ، (5/ 98 - 116) على أن كل رواد العلم التجريبي الغربي أمثال جاليليو وبيكون ضد المنطق الأرسطي الصوري، ولو من طريق غير مباشر [2] ولهذا فإن أصحاب العقول من بني آدم لم يخوضوا قط في معرفة ماهية الإنسان المطلقة إلا هذه الفرقة الشاذة، وذلك لأن أحط بني البشر من سكان الأدغال والأحراش يميزون بين الإنسان وغيره بلا أدنى لبس، أما معرفة كنه الذوات فهذا مما حارت فيه عقول البشر، والعلم التجريبي في عصرنا عاجز حتى الآن عن معرفة حقيقة المادة أما حقيقة الإنسان فعقلاؤهم نفضوا اليد منها أصلا، ولم يبق أحد يتخبط فيها إلا من سلك مسلك الشاذين القدماء.