الأثر المنطقي
سوف نتناول الحديث عن الأثر المنطقي من خلال هذه الحقائق:
1 - أن المنطق وجد - أول ما وجد - لمواجهة السفسطة؛ تلك اللوثة التي أصابت الفكر اليوناني بعد أن أتخمت الجاهلية اليونانية بضروب من الفلسفات المتناقضة، فجاءت السفسطة لتوجه معولها لهدم المعرفة العقلية من أساسها، وذلك بإنكار حقائق الأشياء وبَدَايِه المعارف، والتصريح بأن كل الأحكام العقلية ناشئة من تصورات ذاتية محضة ليس لها أصل موضوعي، أو هي على الأقل يمكن أن تكون كذلك.
2 - لما كان المنطق هو رد الفعل لهذه اللوثة كان طبيعيا أن يصب اهتمامه على إثبات حقائق الأشياء، فابتدأ بإثبات الحقائق الكلية المجردة توصلاً بها إلى إثبات الأجزاء والأعيان خارج الذهن، كما وضع قوالب عقلية خاصة تستخدم للحكم على الأجزاء، وذلك عن طريق إثبات أحكام كلية، ثم الحكم على الجزء بحكم الكل [1] ومن هنا انحصرت مباحث المنطق في مبحثين:
أ - الحدود التي بها تعرف حقائق الأشياء " التصورات ".
ب - القياس الذي به يتوصل إلى معرفة حكم الأشياء " التصديقات ".
3- اقتضى الأمر في مبحث الحدود (وهو المبحث الذي يهمنا هنا) تحليل عناصر الأشياء والمسميات لمعرفة صفاتها الذاتية (الداخلة في الماهية) والعرضية (الخارجة عن الماهية) لكي يتم التوصل إلى تحديد الذات وتصورها في ذاتها، أي مجردة عن الأعراض، فوضعت ألفاظ كلية عامة تتألف منها الحدود [2] وهي الكليات الخمس: الجنس، والنوع، والفصل، والخاصة، والعرض العام. [1] وهذا هو قياس الشمول، وأهملوا قياس التمثيل، وهذا من ضلالهم كما سنوضح في القضية الثانية ص464. [2] وهي التي تكون محمولا في القضايا، أي في مبحث التصديقات.