ومن السؤال والجواب نستطيع أن نستنبط حقيقة القضية المسئول عنها ووجه الجواب، إذ لا ريب أن أبا وائل أفاد وشفى، وأن زبيدا فهم واكتفى!!
فالقضية التي كانت تشغل أذهان الناس يومئذ - فى موضوع الإيمان - هى حكم مرتكب الكبيرة، وبناء على الأصل الفاسد المشترك بين الخوارج والمرجئة معا - وهو أن الإيمان شئ واحد، لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل أهله فيه - قال الخوارج: أن مرتكب الكبيرة قد ذهب إيمانه فهو كافر، وقالت المرجئة: بل هو كامل الإيمان مهما فعل!! كما يدل عيه آثر ابن أبى مليكة والحسن، وكلام إبراهيم واستدلال البخاري بها.
فلما ذكر زبيد ذلك لشيخه أبى وائل، أجابه بأفضل أنواع الأجوبة وأعلاها؛ وهو أن يجيب المفتى من سأله بنص من النواحي فى محل الإشكال.
فالحديث بمنطوقه يدل على التفاوت فى الإيمان، وعلى ما يستحق أن يسمى به مرتكب الكبيرة.
فإيمان من قاتل مسلما ليس كإيمان من سبه، ومفهوم منه أن من سلم من هذا وذاك فهو أكثر إيمانا، وقتال المسلم وسبابه معصية تذهب عن صاحبها اسم الإيمان المطلق، فيستحق اسم الفسق إن سبه واسم الكفر إن قاتله [1] ، ولا يسمى مؤمنا بإطلاق إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأمنه الناس على أنفسهم وأموالهم، كما دلت النصوص الأخرى.
وفى هذا دليل على خطر المعاصى التي تهون المرجئة من شأنها؛ إما نصا وإما لزوما.
ومما يوضح هذا الأمر وموقف أبى وائل منه - ما رواه عنه الطبرى بسنده، قال: قوم يسألونى عن السنة فأقرأ عليهم: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ... » حتى قوله: «ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة» يعرض المرجئة [2] .
وإذا كان هذا النص يعطينا مفهوما عن الفكرة، فإن نصا آخر يقدم تاريخا" أكثر تحديدا"، وهو ما رواه ابن بطة من طريق الإمام احمد عن قتادة أنه قال: " إنما أحدث الإرجاء بعد هزيمة ابن الأشعث " [3] . [1] مع عدم سلب مطلق الإيمان عنه (أى الإسلام) ، وإنما يسلب الإيمان المطلق. [2] 1 تهذيب الآثار (2/ 182) ، وقوله: " يسألونى " كذا بالأصل. [3] الإبانة، لوحة 169 المخطوط.