وقد آثرنا - إجلالاً منا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتساباً في الذب عنهم - أن نفردهم بمبحث مستقل تال.
2 - الفئة الثانية:
بعض سكان الأطراف والمرابطين على ثغور الجهاد، وهؤلاء كانوا يجالدون الأعداء ويفتحون الأمصار فما شعروا إلا والنبأ ينزل عليهم بمقتل أمير المؤمنين عثمان كالصاعقة، ثم فوجئوا بما تلاه من أحداث فما استطاعوا أن يستبينوا رأياً فيتبعوه أو يرجحوا طرفاً فيوالوه، فآثروا مسالمة الفريقين المتقاتلين والركون إلى حياد لا حيلة لهم في قبوله.
وعن هؤلاء يقول الحافظ ابن عساكر: إنهم هم الشكاك الذين شكوا، وكانوا في المغازي، فلما قدموا المدينة بعد مقتل عثمان - وكان عهدهم بالناس وأمرهم واحد ليس بينهم اختلاف، فقالوا: تركناكم وأمركم واحد ليس بينكم اختلاف، وقدمنا عليكم وأنتم مختلفون.
فبعضكم يقول: قتل عثمان مظلوماً وكان أولى بالعدل وأصحابه.
وبعضكم يقول: كان علي أولى بالحق وأصحابه.
كلهم ثقة وكلهم عندنا مصدق، فنحن لا نتبرأ منهما ولا نلعنهما ولا نشهد عليهما، ونرجئ أمرهما إلى الله حتى يكون هو الذي يحكم بينهما [1] .
فهؤلاء إن صح إطلاق الإرجاء على موقفهم فهو إرجاء حيرة لا إرجاء فكرة، وهذه الحيرة خاصة بقضية الحكم على المختلفين بالخطأ أو الصواب، أما موالاتهم والإقرار بفضلهم وسابقتهم فلم يكن موضوع شك عندهم [2] .
3 - الفئة الثالثة:
وهي فئة من ذلك الصنف البشري المحدود الإدراك الذي يضيق أفقه أو علمه عن تفهم الخلاف فتثور نفسه ساخطة على طرفيه حانقة عليهما دون تبصر في الدوافع أو تريث في الحكم، فمنهم فرقة أعلنت نقمتها وسخطها على كل الأطراف، وربما كان أصل ضجرها وحنقها أن المختلفين هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلم تكن صحبتهم دافعاً لالتماس العذر بل كانت - حسب فهمهم - [1] تاريخ دمشق، النسخة التيمورية (20/577) ، وقد تعذر علي الاطلاع على هذه النسخة، ولذا نقلت النص عن د. نعمان القاضي، الفرق الإسلامية في الشعر الأموي ص263، كما ساقه أحمد أمين وغيره. [2] وإلى هؤلاء يتوجه كلام النووي في شرح مسلم وليس كما ظن رحمه الله أنه موقف كبار الصحابة، انظر (18/10)