شبهتهم قالوا: لو تعلقت صفات الأفعال بمشيئة الله لكان محلا للحوادث وبعبارة أخرى يقولون: لو كانت حادثة في وقت دون وقت واتصف بها لكان محلا للحوادث وبعبارة أخرى يقولون: إن صفات الأفعال حادثة والصفات القائمة بالذات قديمة، والقديم ليس محلا للحوادث؟ الرد عليهم: أن نقول بل هي صفات أفعال ولا تسمى حوادث فكما سميتم الصفات الذاتية صفات فسموا الصفات العليا صفات ولا تسموها حوادث.
تأويل النفاة من الجهمية والكلابية والأشعرية وغيرهم لصفة الرضى الغضب ونحوها، وشبهتهم والرد عليهم أوَّلوا الرضى أوَّلوا صفة الرضى في إرادة الإحسان وأولوا صفة الغضب في إرادة الانتقام شبهتهم قالوا: إن الرضى الميل والشهوة والغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام، وذلك لا يليق بالله تعالى لأنها من صفات المخلوقين الذين هم محل الأعراض والحوادث.
الرد عليهم ومناقشتهم من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن هذا نفي للصفة، وقد اتفق أهل السنة على أن الله يأمر بما يحبه ويرضاه، وإن كان لا يريده ولا يشاءه وينهى عما يسخطه ويكرهه ويبغضه ويغضب على فاعله وإن كان قد شاءه وأراده فقد يحب عندهم ويرضى ما لا يريده، ويكره ويسخط ويغضب لما أراده. الوجه الثاني: أن غليان دم القلب في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الغضب وليس هو الغضب، والميل والشهوة في الآدمي أمر ينشأ عن صفة الرضى وليس هو الرضا. الوجه الثالث أن يقال: وكذلك الإرادة والمشيئة فينا هي ميل الحي إلى الشيء أو إلى ما يلائمه ويناسبه، فالمعنى الذي صرفت إليه اللفظ أيها النافي وهو الإرادة كالمعنى الذي صرفت عنه اللفظ وهو الرضى والغضب سواء، فإن جاز وصفه بالإرادة جاز وصفه بالرضى والغضب، وإن امتنع وصفه بالغضب والرضى امتنع وصفه بالإرادة.
فإن قالوا الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة، الإرادة التي يوصف الله بها مخالفة للإرادة التي يوصف بها العبد، وإن كان كل منهما حقيقة. قيل لهم: إن الغضب والرضى الذي يوصف الله به مخالف للرضى والغضب الذي يوصف به العبد، وإن كان كل منهما حقيقة.
وهذا الكلام يقال لكل من نفى صفة من صفات الله لامتناع مسمى ذلك في المخلوق فإنه لا بد أن يثبت شيئا لله تعالى على خلاف ما يعهده حتى في صفة الوجود فإن وجود العبد كما يليق به لا يستحيل عليه العجب، ووجود الباري كما يليق به يستحيل عليه العجب، ويقال أيضا للمؤول والنافي يلزمك في تأويلك للصفات ونفيها ثلاثة محاذير: المحذور الأول: صرف اللفظ عن ظاهره. المحذور الثاني: تعطيل الرب عن صفاته. المحذور الثالث: يلزمك من المحذور فيما فررت إليه مثل ما ادعيته فيما فررت عنه.
وبهذا التلخيص يتضح معنى هذا الموضوع وهو صفات الذات وصفات الأفعال نعم.