وأجيب عن هذه الشبهة بثلاثة أجوبة: الجواب الأول: أن المراد بالدعاء في الآية العبادة، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} يعني اعبدوني أن المراد بالدعاء في الآية العبادة وبالإجابة الثواب، وعلى ذلك فلا تعارض بين الآية وبين كون السائل لا يعطى أو يعطى غير ما سأل؛ لأن معنى الآية اعبدوني أثبكم، ولم تتعرض الآية لإعطاء السائل. الجواب الثاني: أن المراد بالدعاء العموم الشامل لدعاء العبادة ودعاء المسألة وإجابة دعاء السائل أعم من إعطاء المسئول، وإجابة الداعي أعم من إعطاء السائل، والداعي أعم من السائل، ولهذا فرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الدعاء والسؤال وبين الإجابة والإعطاء في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له)
وهو فرق بالعموم والخصوص فالإجابة إن كان المراد بالدعاء العبادة فمعناها الثواب وإن أريد بالدعاء السؤال فيجاب بما فيه مصلحة، ولو لم يكن بعين مطلوبه كما في الحديث: (ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها) فيجاب في الجملة إذا وُجِدَتْ الشروطُ وانتفتِ الموانعُ. الجواب الثالث: أن يقال: إن الدعاء سبب مقتضٍ لنَيْل المطلوب والسبب له شروط وموانع، فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب، وإلا فلا يحصل بل يحصل غيره، ومن الفوائد في هذا المقام أن الأدعية والتعوذات والرُّقَى بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده، فمتى كان السلاح سلاحا تاما، والساعد ساعدا قويا والمحل قابلا، والمانع مفقودا حصلت به النكاية في العدو.
ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة: السبب في ذاته، ووجود المعين، وفقد المانع: تخلف التأثير كذلك الدعاء إذا كانت نفسه غير صالحة كأن يكون بإثم أو قطيعة رحم أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء، أو كان ثَمَّ مانع من الإجابة كأكل الحرام وكثرة السيئات لم يحصل الأثر.
وبعض الصوفية، بعض الصوفية يخص منع الدعاء بخواص العارفين يقول خواص العارفين ما يحتاجون الدعاء، أما عامة الناس يحتاجون الدعاء قد يخص بعض الصوفية منع الدعاء بخواص العارفين، ويجعل الدعاء علة في مقام الخواص يعني مرض في مقام الخُلَّص الذين وصلوا إلى الله وتمكنوا من العبادة بزعمهم.
والجواب هذا من غلطات بعض الشيوخ، شيوخ الصوفية فكما أنه معلوم الفساد بالاضطرار من دين الإسلام فهو معلوم الفساد بالضرورة العقلية، فإن منفعة الدعاء أمر أنشئت عليه تجارب الأمم حتى إن الفلاسفة تقول: ضجيج الأصوات في هياكل العبادات بفنون اللغات تحلل ما عقدته الأفلاك المؤثرات؛ لأن الأفلاك عندهم مدبرة فاعترفوا هذا وهم مشركون اعترفوا بفائدة الدعاء الأسباب، والدعاء سبب من الأسباب، الإنسان له أحوال معينة، إما أن يركن إليها وإما أن يلغيها بالكلية وإما أن يعترف بها ويعرض عنها، وإما أن يعمل بها على أنها سبب.
حكم الالتفات إلى الأسباب فقط، ما حكم الالتفات إلى الأسباب فقط؟ وما حكم إلغائها بالكلية؟ وما حكم الإعراض عنها مع الإقرار بها؟ وما مذهب أهل السنة في ذلك؟ ، الالتفات إلى الأسباب والركون إليها شرك في توحيد الربوبية كون الإنسان يعتمد على السبب وينسى الله، الالتفات إلى الأسباب والركون إليها شرك في توحيد الربوبية وذلك كركون المعتزلة وعلماء الطبيعة القائلين بالتفاعل بين الماءين والقائلين بأن النار محرقة بطبعها، فهم يقولون علماء الطبيعة الولد يحصل بالتفاعل بين الماءين، والنار محرقة بطبعها وذاتها، هذا شرك في الربوبية.
وإلغاء الأسباب بالكلية ومحوها أن تكون أسبابا نقص في العقل، وتكذيب للمحسوس. والإعراض عن الأسباب بالكلية مع الاعتراف بها قدح في الشرع؛ لأن الله ربط دخول الجنة والنجاة من النار بأسباب.
ومذهب أهل السنة لا بد من الاعتراف بالأسباب ولا بد من اعتقاد أنها جعلية، أي بجعل الله لها أسبابا لا لذاتها، ولا بد من الأخذ بها، والعمل بمقتضاها مع التوكل والرجاء، فمعنى التوكل والرجاء يتألف من وجود التوحيد والعقل والشرع والفرق بين التوكل على الله ورجائه، وبين العجز والغرور هو أن الأول الأخذ بالأسباب مع تفويض الأمر إلى الله والطمع في النتائج.
والثاني ترك الأسباب والطمع في حصول نعمة الله وخيره والدعاء أعم من السؤال والاستغفار، والدعاء أعم من السؤال، والاستغفار أخص من الاثنين، نعم.