وإنما هو كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّه [البقرة:79] .
وفي موضع آخر تقول التوراة المحرفة: (إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نزل من السماء، وتصارع هو ويعقوب طول الليل إِلَى الفجر، وفي الصباح يرى يعقوب هذا الذي صارعه، وإذا به الرب، ويقول: أأنت الرب الذي كنت تصارعني طول الليل؟) .
ومما فيه أيضاً: أن موسى عَلَيْهِ السَّلام قال للرب -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لما أن غضب عَلَى بني إسرائيل وعاقبهم: يارب ارجع عن حموّ غضبك، واندم عَلَى ما فعلت بشعبك قَالَ: فندم الرب عَلَى ما فعل بشعبه.
وقد بين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لنا جانباً من تشبيه اليهود حينما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] .
فتشبيه الخالق بالمخلوقين إنما أصله من اليهود، والذين نفوا صفات الله عَزَّ وَجَلَّ التي في القُرْآن أو في السنة -بزعمهم-، وَقَالُوا: ننفي التشبيه عن الله، قد شبهوا القُرْآن بالتوراة المحرفة التي كتبها الأحبار والرهبان بأيديهم، وغيروا فيها وبدلوا.
ولم يُنَزِّل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أي كتاب من كتبه ما فيه تشبيه له بخلقه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. بل أعظم الحقائق التي يبينها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في كتبه هي ما يتعلق به وبمعرفته، وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العليا، وبما يجب له من حقٍ عَلَى العباد وهو توحيده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإفراده وحده دون أحد سواه.