فهو منزّه عنه، وكذلك النوم والسِّنة ضد كمال الحياة، فإن النوم أخو الموت، وكذلك اللغوب نقص في القدرة والقوة، والأكل والشرب ونحو ذلك من الأمور فيه افتقار على موجود غيره، كما أن الاستعانة بالغير والاعتضاد به ونحو ذلك يتضمن الافتقار إليه والاحتياج إليه، وكل من يحتاج إلى من يحمله أو يعينه على قيام ذاته، أو أفعاله، فهو مفتقر إليه ليس مستغنياً بنفسه، فكيف من يأكل ويشرب، والآكل والشارب أجوف والمُصْمَت الصمد أكمل من الآكل الشارب، ولهذا كانت الملائكة صمداً لا تأكل ولا تشرب.
وقد تقدم أن كل كمال ثبت لمخلوق فالخالق أولى به، وكل نقص تنزّه عنه مخلوق فالخالق أولى بتنزيهه عن ذلك، والسمع قد نفى ذلك في غير موضع كقوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2] ، والصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب، وهذه السورة هي نسب الرحمن[1]، وهي الأصل في هذه الباب.
وقال في حق المسيح وأمه: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلآ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة: 75] ، فجعل ذلك دليلاً على نفي الألوهية، فدل ذلك على تنزيهه بطريق الأوْلى والأحرى.
والكبد والطحال ونحو ذلك هي أعضاء الأكل والشرب، فالغني المنزه عن ذلك منزه عن آلات ذلك، بخلاف اليد فإنها للعمل والفعل، وهو سبحانه وتعالى موصوف بالعمل والفعل، إذ ذلك من صفات الكمال، فمن يقدر أن يفعل أكمل ممن لا يقدر على الفعل.
وهو سبحانه منزه عن الصاحبة والولد وعن آلات ذلك وأسبابه، وكذلك البكاء والحزن هو مستلزم للضعف والعجز الذي ينزه الله عنه، بخلاف [1] انظر الحديث الوارد في ذلك في مسند الإمام أحمد (5/133 ـ 134) وسنن الترمذي (9/299 ـ230) .