القرآن يدعو كله إلى التوحيد
وقد بين القرآن هذين الأمرين -التوحيد والشرك- غاية البيان.
ولذلك قال رحمه الله: [وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل] ، ولا إشكال أن أكثر القرآن هو في تقرير هذا الأصل الذي هو وجوب إفراد الله بالعبادة، والنهي عن الشرك بجميع صوره، والقرآن كله توحيد، فهو يدعو في جانب الدعوة إلى التوحيد إلى إخلاص العمل لله عز وجل، ويبين فضائل ومصالح التوحيد، ويبين عاقبة أهل التوحيد، أما في جانب النهي عن الشرك فإن الله نهى عنه وحذر منه، وبين أنه ظلم عظيم، وبين الله جل وعلا سوء عاقبة الشرك على أهله في الدنيا قبل الآخرة.
وبين عاقبة المشركين وأنهم في نار تلظى؛ لعظم ما جاءوا به واقترفوه، كما قال تعالى: {إِنَّ اَللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء:48] ، فالله لا يغفر الشرك بالكلية، ويغفر مادون ذلك لمن يشاء، وما هذا الامتناع من الرحيم الرحمان البر الرؤوف إلاَّ لعظم الجرم؛ فإن الشرك ظلم عظيم كما وصفه رب العالمين، فالقرآن كله بيان للتوحيد وفضله وفضل عاقبته وعاقبة أهله، وبيان للشرك وسوء عاقبته وسوء حال أهله في الدنيا قبل الآخرة، ولذلك كان بيان التوحيد في القرآن واضحاً لكل أحد.
ولذلك قال رحمه الله تعالى: [وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى] يعني: ليس من وجهٍ واحد، وليس -فقط- بالأمر بالتوحيد، أو بالنهي عن الشرك، بل بينه من جميع الوجوه، سواءٌ أكان أمراً بالتوحيد، أم نهياً عن الشرك، أم بياناً لمحاسن التوحيد، أم بياناً لمساوئ الشرك، أم بياناً لعاقبة أهل التوحيد، أم بياناً لعاقبة أهل الشرك.
قال: [بكلام يفهمه أبلد العامة] يعني: لا يحتاج إلى فهم، ولا إلى قوة بلاغة، ولا إلى عظيم إدراك حتى يصل إلى فهم هذه المعاني، بل هي ظاهرة لكل أحد، فمثلاً قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اَللهُ أَحَد} [الإخلاص:1] هذه الآية يدرك معناها كل أحدٍ من الناس، وأنه عز وجل أحد فيما يجب له سبحانه وتعالى من الربوبية والإلهية والأسماء والصفات.