وما الذي كان وراء نشوء هذه المسألة وحدوثها بعد أن لم تكن معروفة قبل؟
فهذا سؤال يطرح نفسه – كما يقولون -، والجواب عنه أن يقال: الأمر كما ذُكر لم يكن بين الصحابة رضي الله عنهم أي خلاف في هذا الأمر بل ولا في غيره من مسائل أصول الدين وأساسياته، وإنما الخلاف في ذلك نجم بعدهم، وذر قرنه في أواخر زمانهم، والصحابة رضي الله عنهم كانوا أقل فتناً من سائر من بعدهم فإنه كلما تأخر العصر عن النبوة كثر التفرق والخلاف، ولهذا لم تحدث في خلافة عثمان بدعة ظاهرة، فلما قتل وتفرق الناس حدثت بدعتان متقابلتان بدعة الخوارج المكفرين لعليّ، وبدعة الرافضة المدعين لإمامته وعصمته أو نبوته أو إلاهيته.
ثم لما كان في آخر عصر الصحابة في إمارة ابن الزبير وعبد الملك حدثت بدعة المرجئة والقدرية، ثم لما كان في أول عصر التابعين في أواخر الخلافة الأموية حدثت بدعة الجهمية المعطلة، والمشبهة الممثلة، ولم يكن على عهد الصحابة شيء من ذلك"[1].
وهكذا بدأت الفتن تتتابع، ونار الأهواء تضطرم وتتفاقم فكثرت البدع في الأمة وفشت، وتزايدت الفرق وكثرت حتى تحقق في الأمة قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" [2].
ولا شك أن وراء تلك الفتن أناس حاقدون على الإسلام وأهله يسوؤهم انتشار هذا الدين ويغيظهم كثرة أهله فجهدوا في إضرام تلك [1] منهاج السنة النبوية لابن تيمية (6/ 231) . [2] تقدم تخريحه (ص 363) .