العلم في جواز الرواية عنهم أو عدم جوازها[1] سائغ لتيسر الرواية عنده عن غيرهم ممن شاركوهم في الرواية لتلك الأحاديث، وفارقوهم في عدم الابتداع، ولما في عمله هذا من مصلحة إخماد البدعة وعدم تقديم أهلها وإبرازهم.
ولأمر آخر وهو أن أهل البدع كما سماهم السلف: "أصحاب أهواء"وأتباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر، فلربما يكذب ويتجرأ على الكذب لينتصر لهواه- كما سبق أن مر معنا عن بعض هؤلاء- ولهذا المعنى قال علي بن حرب الموصلي: "كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي"قال المعلمي معلقاً عليه "يريد والله أعلم أنهم مظنه ذلك فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته"[2].
وأمر آخر أيضاً وهو أن البخاري رحمه الله لم يخرج في صحيحه عمن كان داعية إلى بدعته، وإنما خرج عمن كان مستتراً بها غير مظهر لها، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا لم يخرج أهل الصحيح لمن كان داعية، ولكن رووا هم وسائر أهل العلم عن كثير ممن كان يرى في الباطن رأى القدرية والمرجئة والخوارج والشيعة"[3].
فترك البخاري الرواية عن أهل هذه البدعة لمثل هذه الأسباب المتقدمة يعد منقبة لصحيحه رحمه الله، وميزة له، وحق له أن يذكرها وإن كان في ذكره لها يقصد التأكيد على الحذر من أهل هذه الأهواء ومجانبتهم [1] طالع تفصيل هذه المسألة في: هدي الساري لابن حجر (ص 385) ، وفي التنكيل للمعلمي (1/ 42 وما بعدها) بحث جيد وتحرير واف لهذه المسألة فليطالع. [2] التنكيل (1/44) . [3] الفتاوى (7/ 368) .