اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 11
المشوبة بكثير من الأنظار الغربية، وآراء عهد انحطاط الحضارة الإسلامية، مع أن المنهج العلمي التاريخي الصحيح يقتضي أن ترجع إلى الأصول الأولى في كل شيء"[1].
وختاماً أتوجه بدعوة كل أشعري ينتسب إلى أبي الحسن الأشعري أن يجرد نفسه من كل عصبية، ويقف على مذهب شيخه كما جاء في كتبه كالمقالات والإبانة ورسالة أهل الثغر، ويلزم منهج شيخه الأخير الذي رجع فيه إلى مذهب السلف، وقال بقول الإمام ((أحمد بن حنبل)) كما ذكر ذلك في مقدمة كتابه الإبانة، والله من وراء القصد وهو ولينا ونعم النصير. [1] انظر: كتاب عقائد السلف للنشار وطالبي ص[5].
الباب الأول: التعريف بالمؤلف الفصل الأول: عصر المؤلف
المبحث الأول: الناحية السياسية
...
المبحث الأول الناحية السياسية
عاش الأشعري - رحمه الله - في الفترة الواقعة ما بين عام ستين ومائتين حيث كانت ولادته، وعام أربعة وعشرين وثلاثمائة حيث كانت وفاته، وفي هذه الفترة بدأ الضعف يشق طريقه في الدولة العباسية، وبدأ معظم أطرافها يقوم بحركات انفصالية عنها بجانب الثورات الكثيرة التي كانت تقع، وظهرت القرامطة بسواد الكوفة[1]، وهم قوم خوارج زنادقة، مارقة من الدين، وكان ذلك في عام ثمانية وسبعين مائتين، كما ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي[2]، وقويت شوكته، وعاث في الأرض فساداً وتبعه خلق كثير، كما حاصر أحد أتباعه وهو يحيى بن ذكرويه دمشق، ودخل أخوه حلب وقتل فيها تسعة آلاف[3]، واستمروا يغزون هذه البلاد حتى دخلوا البصرة وفعلوا فيها أكثر ما فعلوا في دمشق.
كما ظهر العبيديون في مصر وملكوا جيزة الفسطاط في عام ثمانية وثلاثمائة[4]، كما ظهر الديلم في بلاد الريّ، وأخذت الروم سميساط واستباحوها وضربوا الناقوس في الجامع[5].
وخلاصة ما يمكن أن يقال عن وضع الدولة في هذا الوقت ما ذكره أحمد أمين في قوله: "أهم مظهر يأخذ بالأبصار في ذلك العصر ما حصل للدولة الإسلامية من الانقسام، فقد كانت المملكة الإسلامية كلها في العصر العباسي الأول - إذا استثنينا
الأندلس وبعض بلاد المغرب - تكون كتلة واحدة تخضع خضوعاً تاماً للخليفة في بغداد، هو الذي يعين ولاتها، وإليه يجبى خراجها وإليه يرجع في إدارتها وقضائها وجندها وحل مشاكلها، ويدعى له على المنابر وتضرب السكة باسمه، ونحو ذلك من مظاهر السلطان، ثم أخذ هذا السلطان يقل شيئاً فشيئاً، وأخذ يخشى ولاتها وأمراؤها بعضهم بأس بعض، ويضرب بعضهم بعضاً، فصارت المملكة الإسلامية عبارة عن دول متعددة مستقلة، علاقة بعضها بالبعض الآخر علاقة محالفة أحياناً، وعداء غالباً، وأصبح لكل دولة مالها وجندها وإدارتها وقضاؤها وسكتها وأميرها، إن اعترف بعضها بالخليفة في بغداد حيناً من الزمن فاعتراف ظاهري ليس له أثر فعلي، وسودت صحف التاريخ بالقتال المستمر بين هذه الدول، وشغلوا بقتال أنفسهم عن قتال عدوهم، ومن أجل هذا طمع فيهم الروم يغزونهم كل حين، ويستولون على بلادهم شيئاً فشيئاً، حتى الزنج والحبشة كانوا يعتدون على الدولة الفينة بعد الفينة، فينهبون ويسلبون، ولم تعد المملكة الإسلامية مخشية الجانب كما كانت أيام وحدتها، ففي سنة 324هـ (وهي السنة التي مات فيها الأشعري) كانت البصرة في يد ابن رائق، وفارس في يد علي بن بوية، وأصبهان والريّ والجبل في يد أبي علي الحسين بن بوية، والموصل وديار بكر وربيعة في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد الأخشيديين، وأفريقية والمغرب في يد الفاطميين، وخراسان وما وراء النهر في يد السامانيين، وطبرستان وجرجان في يد ديلم، وخوزستان بيد البريدى، والبحرين واليمامة وهجر بيد القرامطة، ولم يبق للخليفة إلا بغداد وما حولها، وحتى هذه لم يكن فيها إلا الاسم"[1]. [1] انظر: كتابه ظهر الإسلام 1/90. [1] انظر: البداية والنهاية 11/261، وشذرات الذهب 2/172. [2] انظر: شذرات الذهب 2/190. [3] انظر: شذرات الذهب 2/202. [4] انظر: شذرات الذهب 2/252. [5] انظر: شذرات الذهب 2/269.
اسم الکتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب المؤلف : الأشعري، أبو الحجاج الجزء : 1 صفحة : 11