ثانيهما: من الحكمة في زيارة القبور: الدعاء للميت والاستغفار له والترحم عليه، وهذه حكمة أخرى من زيارة القبور، وهي حق للميت على الحي، إذ الميت قد انقطع عمله، وهو في أمس الحاجة وأشدها إلى من يدعو الله له بالمغفرة والرحمة.
فالزائر للقبور على الوجه المشروع تتحقق له هذه الحكمة، ويجمع بين خيرين له وللميت، فله بتذكر الآخرة والاستعداد لها، ونيل ثواب الزيارة وأجرها، وللميت بما حصل له من الاستغفار والدعاء.
هذا هو الذي شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور والحكمة منها.
ولكن المشركين عكسوا ذلك فجعلوا الزيارة لدعاء الميت والتوسل به وليس للدعاء له فيعود الزائر مأزورا لا مأجورا، فيجمع بين شرين، ويحرم الميت من حصول الدعاء له بسبب مخالفة هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته[1].
الأمر الثاني: الزيارة الشرعية
بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية الزيارة الشرعية للقبور بقوله وعمله، وعلمها أصحابه وعملوا بها كما علمهم عليه الصلاة والسلام، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم"، قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: "قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم [1] انظر إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن قيم الجوزية 1/198-199.