اسم الکتاب : حاشية كتاب التوحيد المؤلف : عبد الرحمن بن قاسم الجزء : 1 صفحة : 268
باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا (1)
وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [1] الآيتين (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أراد المصنف -رحمه الله- بهذه الترجمة وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا شرك، ينافي كمال التوحيد الواجب، ويحبط الأعمال، وهو أعظم من الرياء؛ لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثير من عمله، وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل، ولا يسترسل معه، فإن قيل: فما الفرق بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب قبله؟ قيل: بينهما عموم وخصوص مطلق، يجتمعان في مادة، وهو ما إذا أراد الإنسان بعمله التزين عند الناس، والتصنع لهم والثناء، فهذا رياء، وهو أيضا إرادة الدنيا بالتصنع عند الناس، وطلب المدحة منهم والإكرام، ويفارق الرياء لكونه عمل عملا صالحا أراد به عرضا من الدنيا، كمن يجاهد ليأخذ مالا، أو يجاهد للمغنم، أو غير ذلك، ولهذا سماه عبدا لذلك، بخلاف المرائي؛ فإنه إنما يعمل ليراه الناس ويعظموه، والذي يعمل لأجل الدراهم أعقل من المرائي، وكلاهما خاسر، نعوذ بالله من موجبات غضبه.
(2) قال ابن عباس: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي ثوابها: {وَزِينَتَهَا} أي مالها: {نُوَفِّ} أي نوفر لهم ثواب: {أَعْمَالَهُمْ} بالصحة والسرور في المال والأهل والولد،: {وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} لا ينقصون {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ} 2؛ لأنهم لم يعملوا إلا للحياة الدنيا وزينتها: {وَحَبِطَ} في الآخرة: {مَا صَنَعُوا} فيها، فلم يكن لهم ثواب؛ لأنهم لم يريدوا به الآخرة، إنما أرادوا به الدنيا، وقد وفي إليهم ما أرادوا {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} : 3 أي كان عملهم في نفسه باطلا؛ لأنه = [1] سورة هود آية: 15.
يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " [1]. رواه أحمد [1] .
ـــــــــــــــــــــــــــــ [1] ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهم، وفيه قصة، ولفظ ابن ماجه: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: "ألا أخبركم" الحديث. وفسر صلى الله عليه وسلم ما خافه على أصحابه بتزيين صلاة الرجل لأجل الناظر إليه، وسماه أيضا شرك السرائر، وحذرهم منه فيما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إياكم وشرك السرائر، قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه، فذلك شرك السرائر ". وفيه شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم، وأن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال، وإذا كان يخافه على سادات الأولياء مع قوة إيمانهم وعلمهم، فغيرهم ممن هو دونهم بأضعاف أولى بالخوف من الشرك أكبره وأصغره. [1] ابن ماجه: الزهد (4204) , وأحمد (3/30) .
اسم الکتاب : حاشية كتاب التوحيد المؤلف : عبد الرحمن بن قاسم الجزء : 1 صفحة : 268