اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 354
قال تعالى: {حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين} . [سورة النحل: 123] .
وقال: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [سورة الحج: 31] .
والصابئة بمذهبها الروحي وعمقها التاريخي تضع أمامنا مشكلة وهي:
كيف عرف الإنسان الاتجاه الروحي -وهو أعقد من الاتجاه المادي؟ أعرف بالعقل؟ أم بالوحي؟ وهل الإنسان فكر أو لا.. ماديا أو روحيًّا؟
يجيب الشهرستاني في المناظرة بين الصابئة والحنفاء: إنهم عرفوه أي الاتجاه الروحي من الأنبياء[1].
بعد ما قلناه عن معنى الحنيفية ترجع إلى الحنفاء الشاكين في أصنامهم فنقول: إن التعدد في الأصنام، والأنصاب، وإنشاء البيوت المقدسة لها، كي يزاحم بها الكعبة، مع نظرات الساخطين عليها، إلى وجود المسيحية، بجانب اليهود، وأشتات من الصابئة، ولاجئين من المجوس، كل ذلك: حفلت به الجزيرة العربية وله آثاره الواضحة في خلق آفاق جديدة من التفكير لدى بعض أفراد أداهم ميلهم العقلي إلى تقويم ما حولهم من وثنية، واضطلعوا بعبء مسئولية التفكير فيها.
قال الشافعى في الأم: فكانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان، ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم، وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض أحكام دينهم.
ويقول الشيخ مصطفى عبد الرازق معلقًا:
وكان هذا الجدل يتناول بالضرورة شئون الألوهية والرسالة والبعث والآخرة والملائكة والجن والأرواح، ويدعو إلى الموازنة بين المذاهب المختلفة في تلك الشئون وقوي أمر هذا الجدل الديني في ذلك العهد حتى تولدت نزعة ترمي إلى تلمس دين إبراهيم أبي العرب[2]، وبذلك تسرب الشك في الأصنام والأوثان إلى نفوس العرب.
قال ابن إسحاق: واجتمعت قريش يوما في عيدٍ لهم عند صنم من أصنامهم كانوا يعطمونه وينحرون له ويعكفون عنده ويدبرون به، وكان ذلك عيدا لهم في [1] راجع ما سبق في باب الصابئة. [2] التمهيد ص103.
اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 354