اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 322
سوى الدعوة إلى التأمل فقط، وكان في ذلك توسعة لمعنى المقدس، فإن الدين السماوي -"الإسلام" وهو المقدس الحقيقي- هو الدعوة الطبعية والآمنة من فراغ المجتمعات من الدين ولنبذ وثنية الوساطة والشرك التي يحوم حولها عندما يمحى الدين الإلهي منها.
ملاحظات على ما أورده الشهرستاني في المناظرة بين الصابئة والحنفاء:
أورد الشهرستاني مناظرة بين الحنفاء والصابئة وكان لنا عليها ملاحظات:
أولا: أنها خالية من تاريخ زمنها ومكانها فهل كانت أيام بعثة إبراهيم رأس الحنفاء؟ هذا الفرض لا نجد له في المناظرة ما يؤيده؛ لأن الشهرستاني ضمنها بيتين من الشعر لزهير:
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل
كذلك ضمنها آيات من القرآن.
كما ضمنها اصطلاحات فلسفية.
منها ما يرجع إلى الفكر اليوناني وما يرجع إلى أفلاطون كقوله: إن النفوس كانت في البدء في عالم الذكر ثم هبطت إلى عالم النسيان.
وما يعود إلى أرسطو مثل: الهيولي والصورة والحيوانية الناطقة. ومنها ما هو منسوب إلى مدرسة الإسكندر أو التراث الهلينى مثل:
العقل الفعال: ماهيات مجردة من المادة، العقل المستفاد، العقول المفارقة.
ومنها ما هو منسوب إلى اصطلاحات صوفية إسلامية مثل: وما أشرق عليه من الأنوار القدسية: وحيا وإلهاما ومناجاة وإكراما.
ومنها ما هو تأليفات شهرستانية مثل: النفس النبوية -الحيوان الناطق المائت، المتكلم الحنيف، المتكلم الصابئ.
المجوسية أقدم من زرادشت
...
يتوقف على استخدامها مصيره في العالم الذي يقع فيما يلي اللحد.. وكان الدين الإيراني ينزع إلى آداب السلوك ولم تكن آلهيته كآلهة الآريين الهنود. معاني مجردة تصورية ولكنهم كانوا شخوصًا خلقيين، ولم يكن هدف الجهد الإنساني الاندماج التألهي في مطلق وحدة الوجود ولكن سعادة أبدية في السماء حيث يحكم أهورا مزدا، وما كانت الحياة الإنسانية وما يلازمها من فروض اجتماعية وأفراح وأحزان بخدعة، ولكنها المجال للعمل في همة والقيام بالواجب الخلقى، وفي اعترافه بقيمة الثقافة الدنيوية واتجاهه إلى غاية يكون فيها الخلاص الفردي، وليس الخلاص القومي، نجد دين إيران يختلف عن دين العبريين وإن تشابه معه في تعليمه الخلقى الرفيع.
وكان الفرس يتسامحون مع الديانات المحلية عندما لا تناصب دينها العداء، ومع هذا فإن عقيدتهم انتشرت صوب الغرب بتوسع إمبراطوريتهم، وفي نقاوته كما نهض به النبي زرداشت، كان دون ريب عقيدة القلة أكثر من أن يكون عقيدة الكثرة، وكان من شأنه بين أيدي المجوس، "وهم طبقة من الكهنة" أن يتدهور إلى فرائض رسمية، بينما أصبحت الجماهير تفسر تعاليمه في صيغ ديانة ما قبل زرداشت القديمة[1]، وكان مرجع قوته الحقيقية إلى إصراره على المسئولية الخلفية. [1] عاش زرادشت على الراجح حوالي عام 650 ق. م. وتحتوي الأسفار الفارسية المقدسة التي يطلق على مجموعها لفظ أوبتا، وهي ترانيم ربما كتبها النبى نفسه، ويقرب المذهب الزرداشتي من أن يكون توحيدا، وكانت عبادة النار لها شأن عظيم؛ إذ كانت النار أنقي مظهر لأهورا مزدا، ويظهر أن المجوس الأوائل كانوا معادين لمذهب زرداشت ولم يحفل.
اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 322