اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 174
فما قدمه من نموذج، وهو الديانة القائمة على عبادة النجوم؛ أي الديانة الوثنية، واعتبره أثرا يونانيا: نوافقه عليه، بل نوافقه على أن الوثنية التي غزت الشرق، وغزته كان أصلها يونانيا.
ثم يقول: ولا سبيل -بعد كل ما قلناه- إلى إيضاح المهام الملقاة على عاتق التاريخ الروحي الشرقي، إلا بالتأمل في أهمية الفكر اليوناني بالنسبة إلى الشرق، ووجوهه الخاصة، أي بالتأمل في ظاهرة انعدام النزعة إلى الشرق، ووجوهه الخاصة؛ أي التأمل في ظاهرة فقدان النزعة الإنسانية في الشرق.
ويحاول المؤلف في النهاية أن يبين بوضوح أن السبب في عدم نجاح التراث اليوناني الشرقي: هو عدم اهتمامه بالنزعة الإنسانية، لماذا؟
فيقول: ذلك أن الفكر الشرقي لا يقوى على إدراك عالم محكم إحكاما لا يوصف، منظور إليه بقوة بصيرة دقيقة واضحة، وفيه لكل شيء مكانه، وتدبير الآلهة وفعل بني الإنسان كلاهما: يجرى على نظام واحد طبعي، إن جاز القول؛ إذ إن الفكر الشرقي يوجه كل همه نحو الحاجة للنجاة بالنسبة إلى الذات المفردة الخاصة، ونحو أحدية الله وعلوه على الكون، وقوته وقدرته التي تهيمن على كل الأفعال الإنسانية.
وكذلك لن يستطيع أن يفهم هذه اليقينية التي وصل إليها سقراط؛ ألا وهي: أن الحياة الإنسانية الخلقية لا تملأ معناها عن طريق التفكير العقلي الخلقي، أو التأملي النظري الميتافيزيقي، ولكن عن طريق تحقيق مضمون الحياة كله داخل نطاق الجماعة، بينما عند الشرقيين، في العصر القديم، قد أصبح التفكير والحديث عن الأمور الخلقية موضوعا للأحاديث الوعظية، وبهذا فقد القوة الدافعة إلى العمل.
ولو شاء المرء أن يعبر في صيغة موجزة عن الحد الذي عنده يقف فهم الشرقيين لليونانيين، لاستطاع أن يقول: إن هذا الحد هو الفكر الكوني عند اليوناني؛ أعني: تصور العالم: على أنه كل محكم الأعضاء، جوهره يقوم في انسجام أجزائه.
اسم الکتاب : تاريخ الفكر الديني الجاهلي المؤلف : الفيومي، محمد إبراهيم الجزء : 1 صفحة : 174